بينهما بإرادتهما معا من الآية، لكمال تباينهما، فلابد من ملاحظة الترجيح بينهما.
ولا ريب أن الأوفق بظاهري النهي والعموم هو ما في رواية جراح المدائني.
مضافا إلى ظهور الأخبار المدعى على دلالتها الكراهة - وهو موردها - ايقاع الغير العبادة أو جزء منها، بل موردها إعانة الفاعل ببعض المقدمات القريبة، كما هو دأب المتأمرين وديدنهم من صب خدامهم الماء في أيديهم عند التوضؤ لئلا يتكلفوا مؤنة حمل الإبريق، ولئلا يشق عليهم أخذه ووضعه ولئلا يزري ذلك بكبريائهم وجبروتهم، ولم يعهد توضؤهم بصب الخادم الماء على وجوههم ومرافقهم فيكفونهم مؤنة نفس أغسال الوضوء، وإذا وضح أن المراد بالاشراك فيها هو هذا المعنى فلا يريب أحد في كراهته، لأنه إعانة في مقدمات العبادة المعلوم عدم حرمتها لا فيها نفسها لكي تحرم أو يقال من أجله بسقوط لزوم المباشرة.
ويشهد له قوله (عليه السلام): " تؤجر أنت واؤزر أنا " إذ الوزر المتصور ليس إلا دلالة هذا النحو من الفعل على التجبر والتكبر، فلا دلالة فيه على الاشراك المحرم لو لم نقل بدلالته على الكراهة، لأنه لا معنى لاستحقاق الأجر على الإعانة على المحرم، سيما على القول بكون نفس الإعانة على الحرام حراما.
ومما يفصح كون مصب تلك الأخبار هو الإعانة في مقدمات العبادة دونها نفسها قوله (عليه السلام) في الرواية الاولى في ضمن ما ذكره تعليلا للوشاء: " فها أنا أتوضأ للصلاة وهي العبادة... الخ "، وأوضح منه في هذا ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان لم يدع أحدا يصب عليه الماء، فقيل له: " يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبون عليك الماء؟ فقال (عليه السلام): لا احب أن اشرك في صلاتي أحدا، إن الله جل ذكره يقول:
" ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " (1). وأيضا عنه (عليه السلام) أنه قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
خصلتان لا احب أن يشاركني فيها أحد وضوئي فإنه من صلاتي، وصدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل، فإنها تقع في يد الرحمن " (2).