فنقول: أقوى الأدلة عندنا على لزوم المباشرة هو ظاهر الأمر فإنه يفيد مطلوبية صدور الفعل عن خصوص المأمور مطلقا من غير فرق بين التوصليات والتعبديات، فإن الأصل في الأوامر من تلك الجهة التعبدية كما يرى تسالمهم عليه في الاصول. نعم لما قام القرينة ولو الحالية في أغلب المقامات على تعلق غرض الآمر بحصول المأمور به في الخارج مطلقا ولو من غير المأمور، بل ربما دلت على تعلق غرضه بحصول الفعل في الخارج ولو من غير المكلف عبروا عنه بالتوصلي ولم يعتبروا فيه المباشرة، وهذه القرينة لما وجدت في غير العبادات فإنها عادمة لتلك القرينة غالبا توهم الفرق بينهما. وليس كذلك، بل الأمر في الجميع يقتضي صدور الفعل عن خصوص المأمور لولا القرينة، وعليه فيكون قيد المباشرة من مقومات المأمور به، لأن الفعل يتقوم بالفاعل كما يتقوم بالمفعول.
ومنه يعلم أن إطلاق الشرط على مثلها مسامحة، لأن الشرط عبارة عن الخارج الذي له دخل في الشيء والمباشرة في الفعل لا شبهة في كونها من المقومات، إذ كما لا شبهة في عدم تحقق المأمور به وهو ضرب زيد في قولك:
" اضرب زيدا " بضرب عمرو كذلك لا يتحقق ضاربيته وامتثاله عند إرادة الفعل منه بصدور الضرب من آخر، فلم يحصل الامتثال ولم يتحقق المأمور به بوصف كونه مأمورا به في الخارج في غير ما قامت القرينة على أن المطلوب مطلق حصوله في الخارج بلا خصوصية لإيجاد المكلف اياه بنفسه، مع أنه أيضا ليس بامتثال، بل هو سقوط الأمر، لعدم بقاء المحل.
وأما العبادات التي تقبل النيابة فليس ينتقض بها على المقام، لأن النيابة على ما حقق في باب الاستيجار على العبادات عبارة عن تنزيل الغير منزلة المخاطب بأدلة النيابة لا تعميم في المباشر من المأمور والغير كما هو معنى عدم اعتبار المباشرة، وحينئذ فإن دلت أدلة النيابة على ثبوتها عموما في جميع الأوامر فلابد من القول بمقتضاها حتى في العبادات، لأنها حاكمة على الأوامر الدالة على المباشرة، وإن كانت خاصة بمورد خاص فلا بد من الاقتصار عليه، وتكون حاكمة