وأما فقه الحديث باعتبار لفظ التنزيل وإن كان ذكره مناسبا عند ذكر الماتن وجوب البدأة بالأعلى إلا أنا نقدم الكلام فيه تتميما للحديث فنقول:
إن معنى التنزيل في كلامه (عليه السلام) هو تنزيل الحكم الذي تضمنته الآية لا تنزيل نفس الآية. وبعبارة اخرى التنزيل المسند إلى الكتاب قد يكون باعتبار الحكم الذي ثبت به، وقد يكون باعتبار القراءة حرفا أو كلمة أو ترتيبا، وإن كان اختلافها قد يوجب اختلاف الحكم الثابت به، ولكن لا يجب في إثبات حكم به أن يكون لفظه ظاهرا فيه، بل المجمل المفسر ببيانه صلوات الله عليه قولا أو فعلا أيضا مثبت له. ويصح إسناد مثل هذا الحكم إلى كونه مأخوذا من الكتاب سيما فيما إذا كان هذا من كيفيات حكم آخر مذكور فيه صريحا، وليس إسناده إلى تنزيل الكتاب منافيا لظاهر لفظ التنزيل، إذ ليس الكتاب ظاهرا في خلاف ما أفاده (عليه السلام) حتى يلحق المستفاد منه بالتأويل.
وبالجملة لما كان هذا الحكم - أعنى البدأة بالأعلى - ثابتا في أول ما نزلت به الآية كما يفصح عنه ما عن جامع الجوامع من أن وجوب الغسل من المرفقين هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وما عن الخلاف من أنه ثبت عن الأئمة أن " إلى " في الآية بمعنى " مع " وما ورد في بعض الأخبار من جعل " إلى " غاية للمغسول لا الغسل صح أن يقال: إن تنزيلها هكذا، إذ لا ظهور لها في خلافه فيكون الآية بلفظها الصريح ساكتة عن بيان هذه الكيفية وهي الغسل من الأصابع إلى المرفق أو منه إليها فبينها النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله وفعله فيصح أن يقال: إن تنزيل الآية في تلك الكيفية هكذا لأنها من كيفيات ما نزلت به، وهو الغسل القابل لوقوعه بتلك الكيفية مع عدم دلالتها على خلافها تحتاج إرادتها منها إلى تأويل فيها كما احتمله الماتن في جواهره.
فتنقح أن إطلاق لفظ التنزيل في الخبر غير محتاج إلى التأويل.
وبالجملة وجوب غسل المرفقين في غسل اليدين مما لا شبهة فيه. كما لا ينبغي التأمل في كونه أصاليا لمن تأمل في الأدلة المثبتة لهذا الوجوب من جعل