بناء المقالة الفاطمية - السيد ابن طاووس - الصفحة ١٠٨
وأما الاجتهادات، فقد تضمنت السيرة حاله - صلى الله عليه - في ذلك، حتى أنه (1) يكاد يموت من خشية الله، بحيث يحرك فلا يتحرك، ويزوي فلا ينزوي (2).
(1) ن بزيادة: كان.
(2) ذكر الصدوق رحمه الله في أماليه: 72 قال:
حدثنا عبد الله بن النضر بن سمعان التميمي الخرقاني (رحمه الله)، قال حدثنا جعفر بن محمد المكي، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق المدايني عن محمد بن زياد، عن مغيرة عن سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال: كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فتذاكرنا أعمال أهل بدر، وبيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أخبركم بأقل القوم مالا، وأكثرهم ورعا، وأشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه، ثم انتدب له رجل من الأنصار، فقال له: يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها، فقال أبو الدرداء: يا قوم، إني قائل ما رأيت، وليقل كل قوم منكم ما رأوا، شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات النجار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممن يليه، واستتر بمغيلات النخل فافتقدته وبعد علي مكانه، فقلت لحق بمنزلة، فإذا أنا بصوت حزين، ونغمة شجي، وهو يقول: إلهي كم من موبقة حملت عني فقابلتها بنعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفرانك. ولا أنا براج غير رضوانك، فشغلني الصوت، واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب بعينه، فاستترت له، فأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فزع إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى، فكان مما به الله ناجى أن قال: إلهي، أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال: آه، إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، وأنت محصيها، فتقول، خذلوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء، ثم قال: آه، من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات لظى.
قال ثم: انغمر في البكاء، فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك، وزويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب، قال: فأتيت منزلة مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة: يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قصته فأخبرتها الخبر، فقالت: هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق، ونظر إلي وأنا أبكي فقال: مما بكاءك يا أبا الدرداء؟ فقلت: مما أراه تنزله بنفسك، فقال: يا أبا الدرداء ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ، وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمني الأحباء، ورحمني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية، فقال أبو الدرداء فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.