والجوارح عما هو أنفع منه.
ويقول لسان الجارودية - وأنا أستغفر الله إذا حكيت قول خصمه، لكن كما ذكرنا كلامه، نذكر قواعد خصمه ليقوم العدل وتلوح وجوه المباحث - قوله: بعدما أجبت عنه، إن الذي جرى [من] حسم مواد الفساد يشكل، بما أن الجارودية تقول: إنه فتح باب اختلاف القلوب، وتباين الآراء وتهييج العداوة والمنافرات، واشتغال المسلمين بعض منهم ببعض عن أشد أعدائهم، وأغلظ شانئيهم، ولو أعطوا القوس راميها، والسيف ربه، وصدور المجالس أهاليها، أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - كان الخطر الذي أشار إليه زائلا، وما بعد ذلك من فنون الفساد مفقودا، إذ لو ملك زمام الرئاسة أولا، ما اختلفت عليه الكلمة، ولا شغبت (1) عليه الخصوم، ولا نهضت إليه الكتائب، لا نهدت إليه العصب، ولا تعرض بما جرى من المخالفة لمراسمه عند ولايته أحد.
وكان ذلك فرع تبعيده عن المنصب، وتأخيره عن الرتبة، فطمع فيه من طمع، وقوي عليه من قوي، وكان أصل ذلك دفعه عن المقام، وصرفه عن الرئاسة منزلا بعد منزل، ومقاما بعد مقام.
وقد أسلفت شيئا يلحق بهذا، ولو لم يكن إلا منع رسول الله عن كتب الصحيفة، وأنها مانعة من الاختلاف بعده على ما رواه الخصوم لكفى، وإن فتح باب الاختلاف كان عن المنع من كتب الصحيفة التي فرع كتابتها زوال الاختلاف.
وأما قوله: " إن الذي وقع من الفلتة لا يجوز أن يحبو به الله تعالى إلا نبيا أو خليفة نبي " فإنه قول أبعد فيه، ورد على عمر - رضوان الله عليه - بيانه: قوله