عقلاء مجربين ديانين، ونرى عيانا ترجيح المرجوح على الراجح، وهو دائر بين عقلاء متدبرين، معتبرين، متدينين. وموارد ذلك تارة الاشتباه وتارة البهت، وليس المختلف فيها بمقام ملك أو منزلة قهر، وقد لا يرجى منهما المنافع، ولا يخاف منهما الانتقام، فكيف إذا ارتقبت سماء التفضل (1) وهيبت سطوات الانتقام؟.
ومما يؤكد ذلك، أن في العقلاء من يقول أعلم بالضرورة أني فاعل غير مقهور، وأخر ينكر ذلك ويهزأ ممن يدعيه، وربما سماه مشركا جاهلا بعيدا عن النقد، نازحا عن الاعتبار. وكذا كان في الوجود من أنكر البديهيات والمحسات (2) وصرائح البراهين المحررات، وسلطان الأمزحة غالبا أقوى من سلطان الألباب. ولهذا قل سالكو الطريق اللاحب، وكثر سالكو الطريق الخائب. وكذا في الوقت من يقول وهو على ما أرى مذهب أبي عثمان: من كون الباري ما ابتدع ذوات الجواهر وأنها بغير مؤثر، ومع ذلك يدعي المعرفة بالصانع، ولازم ذلك إنكار الصانع، وكيف يستغرب شئ، والأشاعرة ترى أن الله ليس في حيز ولا جهة وهو يرى هازئين ممن يخالف في ذلك.
والمعتزلة تهزأ ممن يعتمده، وترى هذا لا يصلح أن يكون قولا لعاقل.
والأشاعرة ومن ضارعهم يقولون: إن الباري تعالى لا ينتج (3) منه شئ، ويجوز أن يصدق الكاذب، وأنه لا يفعل لغرض، ويندرج تحت (4) ذلك أنه لا يفعل المعجزات لغرض التصديق، ومع ذلك يثبتون نبوة الأنبياء، وفعلها لأجل التصديق وهو جمع بين النقيضين وهو محال.