فيما نحن فيه، فإن العبرة إنما هو بصدق وجدان الماء لا ما يؤول إلى الماء، فإن الماء اسم لما تلبس بمبدأ المائية فعلا، والمفروض ليس من هذا الباب، بل هو آئل إلى المتلبس بالمبدأ على تقدير لحوق المزج، وبذلك يظهر التفرقة بينه وبين حفر البئر إخراجا للماء، لأنه طلب للمتلبس بالمبدأ بالفعل.
وإلى ذلك ينظر ما عن بعض المحققين من أن صدق الوجدان على ما نحن فيه عرفا غير مسلم، وجعله كحفر البئر على تقدير تسليم صدق الوجدان عنده قياس مع الفارق، فإن الماء هنا موجود بالفعل والحفر للتوصل إليه بخلاف ما نحن فيه، فأنه معدوم الحقيقة والمزج إيجاد لها كنفس الاستطاعة المعدومة.
وأما ما رده المحقق الثاني: فلأن الآية والرواية وغيرهما وإن كانت مطلقة ولكن قوله تعالى: ﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾ (1) مقيد، ضرورة أن تقيد الأمر بالتيمم بعدم وجدان الماء يقضي بتقييد الأمر بالوضوء بوجدانه، فيقيد بها ما ذكر من المطلقات جدا.
فلو قيل: تقييد الآية للإطلاق متوقف على حمل " الوجدان " على حقيقته مع بقاء الآية على إطلاقها، ولا ريب أنه ليس بممكن، لأنا نرى تحقق وجدان الماء بالفعل مع حرمة الوضوء لمانع شرعي كخوف الضرر من استعماله ونحوه، ونرى عدم تحققه كالفاقد له المتمكن عن حفر البئر ونحوه لتحصيله مع وجوب الوضوء به، فلابد حينئذ من التجوز في الآية، وهو إما بالتقييد لمنطوقها ومفهومها لوجوب استثناء ما عرفت من الصور، فيرد ما ذكرت حينئذ من كون التقييد بالوجدان موجبا لتقييد تلك الإطلاقات، ومقتضاه عدم وجوب المزج.
أو بحمل الوجدان على التمكن والاقتدار مجازا، فلا يرد بذلك حينئذ عدم وجوب المزج لمكان التقييد بالقدرة وهي متحققة في المقام، فالوضوء حينئذ واجب لتحقق شرط وجوبه، وهو يستلزم وجوب المزج لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب.
نعم، لو لم يتمكن المكلف من المزج المذكور سقط عنه الوضوء بحكم الآية، لأنه يكون من باب الواجب المشروط المنتفي شرطه، ولكن لما كان المفروض تحقق القدرة التي هي شرط التكليف بالفرض بقيت تلك الإطلاقات الدالة على الوجوب على