الصورة الثالثة ففيها إشكال نشأ من جهة خلاف بين الأصحاب، فقيل: بأنه لا يلحقه حكم المشتبه ولا يجب اجتنابه، صرح به في المدارك (1)، وحكى القطع به عن المحقق الشيخ علي في حاشية الشرائع (2)، والميل إليه عن جده (قدس سره) في روض الجنان (3)، لأن احتمال ملاقاة النجس لا يرفع الطهارة المتيقنة، وقد روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: " ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا " (4) ولأنه لم يعلم ملاقاته لنجس، وإنما علم ملاقاته لما يجب الاجتناب عنه مقدمة، فهو باق على أصالة الطهارة، ولا يجري فيه دليل وجوب الاجتناب عن النجاسة الواقعية بعد حكم الشارع بأنه طاهر غير نجس.
وقيل: بأنه يلحقه حكم المشتبه الذي منه وجوب غسله، صرح به العلامة في المنتهى قائلا: " بأنه لو استعمل أحدهما وصلى به، لم تصح صلاته ووجب غسل ما أصابه المشتبه بماء متيقن الطهارة كالنجس " (5).
ثم حكى عن الحنابلة وجها بعدم وجوب غسله، لأن المحل طاهر بيقين، فلا يزول بشك النجاسة.
فأجاب عنه: " بأنه لافرق هنا بين يقين النجاسة وشكها في المنع بخلاف غيره " (6).
واجيب عنه: " بأن اليقين بالنجاسة موجب لليقين بنجاسة ما أصابه، وأما الشك فيها فلا يوجب اليقين بنجاسة ما أصابه، فيبقى على أصالة الطهارة، وعدم الفرق بين اليقين والشك هنا شرعا إنما هو في وجوب الاجتناب لا في تنجيس الملاقي " (7).
والوجه في ذلك: أن الساري من حكم النجس الواقعي إلى كل من المشتبهين إنما هو الحكم التكليفي أعني وجوب الاجتناب، لأن الاجتناب عن كل واحد مقدمة علمية للواجب، وأما الحكم الوضعي وهي نفس النجاسة فلا يعقل سرايتها إليهما، بل هي قائمة بما هو نجس واقعا. ويظهر من صاحب الحدائق موافقة العلامة، حيث يقول: " بأن مقتضى القاعدة المستفادة من استقراء الأخبار الواردة في أفراد الشبهة المحصورة أن