وبالتأمل في جميع ما ذكر ظهر ضعف حجة القول بالتداخل مطلقا أو في الجملة، وبقي في المقام امور ينبغي الإشارة إليها من باب التفريع.
أحدها: قضية الدليل المذكور عدم الفرق في المنجس بين النوعين المختلفين في الاسم والحكم معا، أو في الاسم فقط، واقعين في البئر على سبيل التعاقب أو الدفعة، وبين فردين من نوع واحد، خلافا لمن توهم الفرق محتجا في الأخير: بأن الحكم معلق في الأخير على الاسم المتناول للقليل والكثير لغة وعرفا.
واجيب عنه: بأن ظاهر الأدلة في الأكثر تعلق الحكم بالفرد من الجنس، نعم قد يتم ذلك في مثل البول والعذرة وأشباهها، لشمول اللفظ للقليل منهما والكثير، أما في مثل البعير والحمار فلا، لعدم شمول اللفظ أزيد من واحد.
ولا يخفى وهنه على الخبير البصير، فإن الأحكام تتبع الطبايع باعتبار وجوداتها، على معنى أن المصحح لتعلق الحكم بها وجوداتها الخارجية ولو بحسب الإمكان لئلا يلزم السفه، مضافا إلى التكليف بغير المقدور.
نعم، قد ترد الطبيعة في الخطاب مقرونة بما هو من لوازم الوجود الخارجي، ك " الوقوع " الوارد في أسئلة نصوص الباب وأجوبتها كما هو الأكثر، فيظن أن ذلك الوجود له مدخلية في موضوع الحكم فيترتب عليه حينئذ دعوى تعلقه بالفرد، وهذا كما ترى، فإن أقصى ما يلزم من ذلك توارد السؤال والجواب على الفرد من حيث انطباقه على الطبيعة المطلقة لا من حيث الفردية.
فتحصل من ذلك دفع الاحتجاج بأنه إن اريد بما ذكر كون ذلك هو الأصل في المسألة الاصولية فقد دفعناه في محله، وإن اريد به كونه كذلك في خصوص المقام بملاحظة ما ذكر من القرينة فقد تبين منعه.
فالحق أن الحكم معلق على الطبيعة من غير نظر إلى الأفراد، وقد دل الدليل على أنها في ضمن أي فرد تحققت مؤثر تام لما يقتضي نزح المقدر، ومقتضي المؤثرية التامة تعدد أثرها بوقوعاتها المتعددة على سبيل التدريج.
فما في بعض العبائر من دعوى القطع بعدم الفرق في الحكم بين مقدار من البول وقع دفعة أو وقع كل جزء منه دفعة؛ وأنا نفهم من أدلة وقوع هذه الطبايع أن السبب وجودها