وكفاية مزيل الأشد لإزالة الأضعف، فيتداخل الأقل مقدارا في الأكثر.
وفيه: منع ثبوت هذا المعنى من أدلة المقام، فالكفاية المدعاة من كل من القسمين مبنية على أحد الأمرين، من أصالة التداخل في مسببات الأسباب، أو قيام القرينة عليه في خصوص المقام، والكل محل منع، بل الأصل المستفاد من الأدلة يقتضي خلافه ولا مخرج عنه هنا.
فإن قلت: لا ريب أن السبب المقتضي للنزح على القول بانفعال البئر بالملاقاة إنما هو النجاسة العارضة للماء بسبب وقوع ما يقع فيها من أنواع النجاسات لا نفس الوقوع، فلا عبرة بتعدد الوقوع ولا الواقع، بل المعتبر في عدم التداخل هنا - على ما يقتضيه الإنصاف - إحراز أحد الأمرين، من تعدد الحدوث لصفة النجاسة على حسب تعدد ما يقع فيها، بأن يحدث بوقوع كل واقع من صفة النجاسة فرد ممتاز ولو في علم الله سبحانه مقتض لمقدره المعلوم له من الشرع، زاد على مقدر الفرد الآخر أو ساواه أو قصر عنه، أو بلوغ الصفة الحادثة بكثرة الواقع وتلاحقه في القوة وتأكد التأثير حدا لا ترتفع معه إلا بنزح مجموع المقدرين أو المقدرات المساوية أو المتخالفة، بدعوى: أن الصفة الحادثة مرتبة بالغة من مراتب النجاسة، بناء على أنها تتأكد وتتضاعف، وأن مجموع المقدرين أو المقدرات كأنه في نظر الشارع مقدر لتلك المرتبة، وكل من هذين الأمرين وإن كان ممكنا في نظر العقل لكن ليس في حكمه ولا في النصوص الواردة في الشرع ما يقتضي أحدهما.
غاية الأمر قيام احتمال في ذلك وهو لا يعارض الأصل الجاري في المقام، فإن الأصل عدم حدوث ما زاد على فرد واحد، كما أن الأصل عدم بلوغ الصفة الحادثة إلى ما ذكر من المرتبة.
ولا ينبغي معارضة ذلك الأصل باستصحاب النجاسة، كما تمسك به بعضهم على عدم التداخل، لعدم كون ذلك الاستصحاب في مجراه، إما لانتفاء الحالة السابقة إن قرر بالقياس إلى ما لم ينزح مقدره، أو لتيقن ارتفاع الأثر إن قرر بالقياس إلى ما ينزح مقدره.
ولا يقاس ذلك الاستصحاب على استصحاب القدر المشترك المتيقن المردد بين الأقل والأكثر، لوضوح الفرق بينهما بكون القدر المشترك المتيقن من أول الأمر مرددا، فهو في الحقيقة كسائر مواقع الاستصحاب أمر واحد طرءه حالة يقين سابقة وحالة