أبي مريم " (1) ليس على ما ينبغي، وكأن الأولوية التي ادعاها في الحي بالقياس إلى الميت مبناها على مفهوم الموافقة من الخطاب الوارد في الميت، فلا يرد عليه: " أن هذه أحكام شرعية تتبع الاسم، فلابد وأن تستفاد من النص، ولذا يجب في الفأرة مع تفسخها وتقطع أجزائها وانفصالها بالكلية نزح سبع دلاء، مع وجوب نزح الجميع في البعرة منها لعدم ورود النص هنا وثبوته هناك " (2)، فإن مفهوم النص غير خارج عن النص.
إلا أن يقال: بمنع كون الحكم في الأصل مستفادا من النص بخصوصه، كما يعلم ذلك بمراجعة كلام الشيخ المتقدم في بحث الأربعين للكلب (3)، المصرح بكون الأخذ به معينا من باب الاحتياط.
لكن يمكن دفعه - بعد الإغماض عن احتمال كون ابن إدريس قد بلغه في ذلك الحكم نص خاص -: بأن غاية ما هنالك كون تعين الأربعين متجها من باب الحكم الظاهري، فيجري الأولوية أيضا بدعوى: أن الحي من الكلب أولى من ميته بذلك الحكم الظاهري، نعم إن كان ولابد من منع دليله فيمنع من الأولوية المدعاة، لابتنائها على كون النجس قابلا للتنجس ثانيا وهو لا يسلم إلا بدليله، وهو غير واضح.
ومنه: يظهر الجواب لو قرر الاستدلال: بأن الكلب ميتا أنجس منه حيا، مضافا إلى جواز أن يكون له حال الحياة صفة يقتضي زيادة في نجاسته وقد زالت عنه بالموت، وكون الموت منجسا للحيوان إنما تسلم فيما لم يسبقه النجاسة، ولو سلم كونه هنا مؤثرا لا محالة فلعله من باب أنه قد ارتفعت منه النجاسة الثابتة حال الحياة وتجددت نجاسة اخرى بسبب الموت على حد نجاسة سائر الأموات، مع كون النجاسة المتجددة أخف من الزائلة، واستصحاب الحالة السابقة مع تبدل العنوان غير معقول، إذ لا ريب أن الميت ليس بكلب حقيقة، واحتمال أن يقال: إن هذا العين الخارجي قد كان نجسا وهو باق، فيبقى نجاسته بحكم الاستصحاب.
يدفعه: أن الأحكام الشرعية لا تتبع الأعيان الخارجية، وإنما تتبع عناوينها الكلية، والعنوان غير باق هنا جزما، مع أن ثبوت الأولوية إن كان من باب مفهوم الموافقة