الأول عبر باللفظ المذكور، وفي الثاني ذكر المعنى بطريق الحمل.
وأقوى مما ذكر ما في الدروس من قوله: " ثالثها: الجاري نابعا " (1) بعد ما جعل أقسام الماء باعتبار مخالطة النجس له أربعة، وفي شرح العبارة المذكورة للمحقق الخوانساري: " احترز به عما إذا كان جاريا من غير نبع، فإن حكمه حكم الواقف اتفاقا نعم القليل منه إذا كان منحدرا لا ينجس ما فوقه " (2)، انتهى فإن ظاهر هذه العبارات كلها أن وقوع لفظ " الجاري " على الماء ليس بحسب الوضع اللغوي، ولا العرفي العام، ولا أنه حصل فيه للفقهاء اصطلاح خاص، وإلا لم يكن لما فيها من التقييدات والتصريح بالاحترازات وجه.
والثالث: ما عن المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة من قوله: " و أما حقيقة الجاري، فقيل: إنه النابع غير البئر، فكأنه اصطلاح، ويفهم مما نقل عن الدروس اشتراط دوام النبع، وكذا ابن فهد وليس هنا حقيقة شرعية بل ولا عرفية، ومعلوم عدم إرادة اللغوية، ويمكن استخراج المعنى المتقدم. أما غير البئر فلانفرادها بالأحكام، و أما النابع مطلقا فلعدم القوة في غير النابع، وللإجماع أيضا على اعتبار الكرية في غير النابع بين القائلين بالتنجيس، ولوجود معنى الجري في النابع " (3) انتهى. وحينئذ فما في عبارة المسالك من قوله - بعد تفسيره المتقدم - " وإطلاق الجريان عليه مطلقا تغليب أو حقيقة عرفية " (4) لابد وأن يحمل على إرادة التغليب في لسان الفقهاء، حيث يعتبرون المعنى المذكور موضوعا في المسألة المتنازع فيها، وإرادة الحقيقة العرفية الخاصة كما فهمه الأردبيلي.
وعليه فما ربما يورد عليه من مخالفة ذلك للعرف واللغة، والاستدلال في رده بأن الجاري، لا يصدق إلا مع تحقق الجريان ليس على ما ينبغي، فإن اعتبار الجريان فعلا في صدق الجاري لغة أو عرفا لا ينافي عدم كونه معتبرا فيما هو موضوع في المسألة الفقهية، بعد تبين أن العبرة فيه بالنبع فقط دون الجريان فعلا، غاية الأمر كون وقوع اللفظ عليه مجازا من باب التغليب لتحقق الجريان في أكثر أفراد هذا الموضوع، أو