الثلج ونفوذه شيئا فشيئا، والبعض الذي يبعد فيه هذه الاحتمالات لا ينفك عن الكثرة.
والأول: واضح الدفع بعد ملاحظة بناء العرف، فإن الأصل العرفي في التعليلات الواردة في الكلام عدم مدخلية الخصوصية في انعقاد الحكم، نظرا إلى ظهور كلمة " أن " وما يؤدي مؤداها في نظائر المقام في كون ما بعدها مما اعتبره المتكلم وسطا لما أفاده من الحكم، فيكون في قوة كبرى كلية، فلا يضر فيها حينئذ خصوصية المتعلق الأول، لرجوعه موضوعا في صغرى القياس، والصغرى لابد فيها من خصوصية موضوعها، فالمراد بشهادة الحال المعتبرة في المقام إن كان هذا المعنى فهي قائمة في المقام جدا، وإن كان ما زاد عليه فغير معتبرة جزما.
وأما الثاني فيدفعه: أن كلام القوم ومحط الاستدلال بالرواية مفروضان فيما علم بوجود المادة فعلا، وإطلاق ورودها في كلام الإمام (عليه السلام) يأبى عن اعتبار الكرية والاجتماع معها، ودعوى الظهور في ذلك مما لا شاهد عليه، والقضية إنما اعتبرت فرضية، فعدم انفكاك الكرية عما علم فيه بوجود المادة - مع بطلان دعواه في نفسه - غير قادح في انعقاد الحكم الذي يرد على المفهوم دون المصداق، ففرض الترشح أو انقلاب الماء من الهواء، وكون حصوله من إيجاد الله سبحانه، غير قادح فيما هو من موضوع الحكم، لكون كل ذلك من الصور المشكوكة التي يرجع فيها إلى الأصل الأولي - كما عليه غير واحد هنا - أو قاعدة انفعال القليل، كما هو من مقتضى التحقيق والنظير في خصوص المقام أيضا - بناء على ما تقدم الإشارة إليه - فدفع الاستدلال بالرواية بأمثال هذه الامور، ليس على ما ينبغي.
نعم، إن كان ولابد من ذلك فليعترض عليه: بمنع رجوع التعليل إلى الحكم الأول، وهو عدم فساد ماء البئر بشئ، ودعوى: ظهوره في ذلك ممنوعة جدا، وإن كان المقصود أصالة من الحديث بيان سعة ماء البئر وعدم فساده بغير التغير، بل ظاهره كونه راجعا إلى الحكم بزوال التغير بالنزح، وقد تنبه عليه احتمالا شيخنا البهائي (رحمه الله) - فيما حكي عنه - قائلا في الحبل المتين - عند بيان الاستدلال -: " وفيه نظر، لاحتمال أن يكون قوله (عليه السلام): " لأن له مادة " تعليلا لترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح، كما يقال: لازم غريمك حتى يعطيك حقك، لأنه يكره ملازمتك " (1).