وأنت بعد ما أحطت خبرا بما قررناه آنفا، من أن مبنى إطلاق الجاري على النابع السائل ليس على الوضع اللغوي جزما، و لا العرفي و الشرعي، حيث لا شاهد بهما أصلا، بل إنما هو لأجل كونه أحد أفراد مفهومه اللغوي، تعرف أن بعض الكلمات المذكورة ليس في محله، فالاستناد في نفي دخول ما فرض من العيون في اسم الجاري إلى عدم صدق الجريان ونحوه عليها ليس مما ينبغي، والاعتراف بكونها في حكمه مما يشهد بما تقدم من أن غرضهم في المقام ضبط موضوع الحكم لا شرح مفهوم اللفظ، فلابد وأن يكون الجاري مرادا به حينئذ معنى يشمل الغير السائل أيضا، ومعه لا معنى لنفي دخوله في المسمى هنا، استنادا إلى ما يرجع إلى إحراز المسمى اللغوي أو العرفي.
والعمدة في معرفة دخوله في موضوع الحكم ملاحظة الأدلة المقامة على ذلك الحكم، ولا يبعد أن يقال: بعموم أكثر الأدلة المقامة على عدم انفعاله على فرض سلامتها دلالة، خصوصا ما يأتي من رواية البئر المعللة بوجود المادة، على تقدير رجوع التعليل إلى حكم عدم الإفساد لا الطهر بالنزح كما هو الأظهر، فإنها على هذا التقدير تفيد قاعدة عامة جارية في كل ذي مادة والمقام منه، نظرا إلى أن عدم السيلان على وجه الأرض ينشأ عن تحتية المادة لا عن فقدها أو ضعفها كما قد يتوهم، ولو فرض شك في شمول ذلك الحكم له بملاحظة ما تقدم من الخلاف الواقع فيه، ولم يظهر من الأدلة شئ، كان المتعين إدخاله في عمومات انفعال القليل، المفيدة قاعدة عامة تجري في المقام جزما لو خلي و طبعها حسبما تقدم في محله.
وهذا ضابط كلي في المسألة يجب الرجوع إليه في كل ما يشك دخوله في الجاري الذي هو موضوع المسألة، لأجل خلاف، أو ضعف نبع، أو يشك في وجود النبع ونحوه حين الملاقاة.
ومن جملة ذلك ما يتعدى محله خارجا من الأرض بطريق الرشح، وهو العرق يقال: " رشح جبينه إذا عرق " ولعله إلى إخراج مثل ذلك ينظر ما اعتبره الشهيد في الدروس (1) من دوام النبع في الجاري، نظرا إلى أن الماء في صورة الرشح يخرج شيئا فشيئا، والمعتبر في عدم الانفعال اتصال الملاقي للنجاسة بالمادة حين تحقق الملاقاة،