وأما ما استنبطه من النسبة فالظاهر أن معناها: أن ما يعتاد وروده على الماء من النجاسة إذا لم يكن مغيرا للكر، فبعض منه بنسبة مخصوصة إذا وقع في بعض من الكر بتلك النسبة لم يكن مغيرا له أيضا، لوضوح اتحاد البعض للكل في الحكم، فحينئذ لو أن ثلثا من الكر - مثلا - إذا وقع فيه بعض من النجاسة المعتاد وقوعها في الماء، فلابد من استعلام الحال بأخذ النسبة بين ذلك البعض وكله، فإن بلغ ثلثه لم يكن مغيرا لما هو واقع فيه، كما أنه لو قصر عنه لم يكن مغيرا له، وإن تجاوز الثلث كان مغيرا له، ولو أن ربعا مما يعتاد وقوعه وقع على بعض من الكر يجب مراعاة النسبة بينهما، فإن بلغ ربعه أيضا لم يكن الواقع فيه مغيرا له، كما أنه كذلك لو قصر عنه، وأما لو زاد عليه كان مغيرا له، وهكذا إلى آخر الفروض.
وأنت خبير: بوضوح فساد ذلك، وعدم كونه مما ينساق عن تلك الأخبار، فإن هذا مما لا ينضبط أبدا، ومراعاة تلك النسبة مما لا يبلغ إليه فهم كافة المكلفين عدا الأوحدي من الخواص، ومع ذلك فالغالب وقوعه من النجاسات على المياه ما يقع بغتة بلا معلومية مقداره، مع تعذر استعلامه بعد ذلك أيضا - كما لو كان من المايعات - فكيف يسوغ على الشارع الحكيم أن ينوط حكمه الذي يعم به البلوى في قاطبة الأعصار وكافة الأمصار على قاعدة لا يدركها إلا الأوحدي من البعض، مع تعذر إعمالها في غالب موارد موضوعها، مع أنه لا يدري أن اعتبار هذه النسبة والإرشاد إلى هذا التخمين والمقايسة لأي فائدة هو؟ بعد ما كان أصل التغير أمرا حسيا غير محتاج إلى الكاشف.
ومن هنا يتوجه إشكال آخر، من جهة لزومه حمل كلام الشارع على ما ليس بيانه من شأنه، وهو إعطاء الضابط والميزان لما هو من مقولة الحسيات، وما اعتذر له المحدث - في جملة من كلامه - " بأنه ربما يشتبه التغير مع أن الماء قد تغير أوصافه الثلاثة بغير النجاسة فيحصل الاشتباه " (1).
ففيه: مع قضائه بحمل الكلام على موارده النادرة، أن الاشتباه يرتفع بأصل الطهارة الذي قرره الشارع، مضافا إلى خصوص قوله: " الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر " (2) الذي عرفت اختصاصه بمواضع الاشتباه.