قال السيد: وهذه المسألة لا أعرف لها نصا لأصحابنا ولا قولا صريحا، والشافعي يفرق بين ورود الماء عليها، وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء، ولا يعتبر في ورود الماء على النجاسة، وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة، والذي يقوى في نفسي عاجلا إلى أن يقع التأمل لذلك. صحة ما ذهب إليه الشافعي؛ والوجه فيه: إنا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلا بإيراد كر من الماء عليه وذلك يشق، فدل على أن الماء الوارد على النجاسة، لا يعتبر فيه القلة والكثرة كما يعتبر فيما يرد عليه النجاسة " (1).
وهذا كما ترى مما لا يقضي بأنه أخذ ذلك مذهبا لنفسه على سبيل الإذعان، ولا على استقراره عليه لو فرض إذعانه به حين إنشاء تلك العبارة، وعلى أي حال فلم نقف من أصحابنا على من وافقه على ذلك عدا صاحب المدارك من المتأخرين، في قوله - بعد ما رجح في مسألة الانفعال خلاف مذهب العماني -: " لكن لا يخفى أنه ليس في شئ من تلك الروايات دلالة على انفعال القليل بوروده على النجاسة، ولا على انفعاله بكل ما يرد عليه من النجاسات، ومن ثم ذهب المرتضى (رحمه الله) في جواب المسائل الناصرية إلى عدم نجاسة القليل بوروده على النجاسة وهو متجه " (2) انتهى.
نعم، عن الحلي في السرائر أنه قال - بعد ما نقل العبارة المتقدمة عن السيد - قال:
" محمد بن إدريس وما قوي في نفس السيد هو الصحيح، المستمر على أصل المذهب وفتاوي الأصحاب " (3) انتهى.
وما أبعد بين كلامه (رحمه الله) وعبارة السيد المتقدمة حيث إن ظاهره الإجماع على الفرق المذكور، ومن البعيد أن يكون مسألة إجماعية ولم يعرف السيد فيها نصا و لا قولا صريحا لأصحابنا، وهو أقدم منه وأعرف بفتاوي من سلف منهم واصول مذهبهم، ولعله أراد بما نقله ما تحقق متأخرا عن عصر السيد، أو ما تحقق بين أهل عصره بالخصوص، وهو أيضا بمكان من المنع، حيث لم يوافقه أحد على ذلك النقل، وربما يمكن القول بأنه وهم نشأ عن ملاحظة ما استقر عليه المذهب واجتمعت عليه فتاوي الأصحاب، من أن الماء القليل الوارد