وفيه: أنها أظهر في الدلالة على خلاف المطلب، نظرا إلى أن قوله (عليه السلام): " يصب من الماء ثلاثة أكف، ثم يدلك الكوز " تعليم لكيفية تطهير الكوز، فيريد به صب ثلاثة أكف على الكوز لغسله، والذي أمر به عبارة عن غسله، والمراد بقول السائل: " ثم يدخل الكوز " إرادة الإدخال لا تحققه، والقرينة عليه أنه لو كان فرض السؤال فيما بعد الإدخال لما كان للدلك الذي أمر به فائدة أصلا، وشأن الحكيم أرفع من أن يأمر بما لا فائدة فيه أصلا، وظني أن هذا المعنى الذي استظهرناه واضح لا سترة عليه، وقضية ذلك قلب الاستدلال بالرواية، بأنه لولا الكوز المفروض موجبا لانفعال ماء الحب لما أمر بغسله قبل الإدخال فيه.
ومنها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى، قال: وسألته عن جنب أصابت يده من جنابته، فمسحه بخرقة أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه أن يغتسل من ذلك الماء؟ قال: " إن وجد ماء غيره فلا يجزيه أن يغتسل به، وإن لم يجد غيره أجزأه " (1).
وفيه: أنها لا تلائم القول بالانفعال في شقها الثاني، فكذلك لا تلائم القول بالعدم، لأن لازمه جواز الاغتسال بالماء المفروض وكونه مجزيا عن الفرض، غايته أنهم يقولون بكراهة استعماله، كما عليه مبنى حملهم النواهي الواردة في المقام عن الاستعمال على الكراهة، ولا ريب أن الكراهة لا تؤثر في عدم الإجزاء، وقد حكم به الإمام (عليه السلام) فالاستدلال بها ساقط من الطرفين.
إلا أن يرجع إلى ابتنائها على قاعدة اصولية - قررناها في محلها - من امتناع اجتماع الكراهة مع الوجوب والندب، فكان المنع عن الاغتسال بالماء المفروض - على تقدير وجدان ماء غيره - استنادا إلى أن الاغتسال به مما لا أمر به لمكان الكراهة المانعة عنه، بخلاف التقدير الآخر المحكوم عليه بالإجزاء، من حيث إن عدم وجدان ماء آخر يوجب الاضطرار إلى الماء المفروض وهو يوجب ارتفاع الكراهة فيحصل الأمر، اعتبارا لوجود المقتضي وفقد المانع، وعليه يمنع كون ما أصاب اليد من الجنابة عبارة عن المني، لجواز كونه شيئا مشتبها به وبطاهر، أو كون الماء المفروض قليلا لجواز كونه عند السائل مرددا بين الكثير والقليل، ولا ريب أن كلا من ذلك مما يقتضي الاحتياط ويوجب كراهة الاستعمال من حيث كون الماء محتملا للنجاسة، فأعطى له