واما بيان ان إبليس أقر بطهارته فلأنه قال: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين * الا عبادك منهم المخلصين) فاقر بأنه لا يمكنه اغواء المخلصين، ويوسف من المخلصين لقوله تعالى: (انه من عبادنا المخلصين) وكان هذا اقرار من إبليس، بأنه ما أغواه وما أضله عن طريق الهدى. وعند هذا، فقول هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف (ع) هذه الفضيحة ان كانوا من اتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله على طهارته، وان كانوا من اتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته، ولعلهم يقولون كنا في ابتداء الامر تلامذة إبليس الا انا زدنا عليه في السفاهة، كما قال الحروري:
وكنت فتى من جند إبليس فارتقى * بي الامر حتى صار إبليس من جندي فلو مات قبلي كنت أحسن بعده * طرائق فسق ليس يحسنها بعدي فثبت بهذه الدلائل ان يوسف (ع) برئ عما يقوله هؤلاء الجهال، وإذا عرفت هذا فنقول: الكلام على ظاهر هذه الآية يقع في مقامين: (المقام الأول) ان نقول لا نسلم ان يوسف عليه السلام (هم بها) والدليل انه تعالى قال: (وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) وجواب (لولا) هاهنا مقدم، وهو كما يقال قد كنت من الهالكين لولا أخلصك.
ثم ذكر للزجاج سؤالات وأجاب عنها، ثم قال:
(المقام الثاني) في الكلام على هذه الآية ان نقول: سلمنا ان الهم قد حصل الا انا نقول: ان قوله (وهم بها) لا يمكن حمله على ظاهره، لان تعليق الهم بذات المرأة محال، لان الهم من جنس القصد، ولا يتعلق بالذوات الباقية، فثبت انه لا بد من اظهار فعل مخصوص يجعل متعلق ذلك الهم، وذلك الفعل غير مذكور فهم زعموا ان ذلك المضمر هو ايقاع الفاحشة، ونحن نضمر شيئا يغاير ما ذكروه وبيانه من وجوه: (الوجه الأول) انه عليه السلام: هم بدفعها عن نفسه ومنعها من ذلك القبيح لان الهم هو القصد. فوجب ان يحمل في كل واحد على القصد الذي يليق به،