الرابع - ان كل من له تعلق بتلك الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليه السلام عن المعصية.
واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة: يوسف وتلك المرأة وزوجها والنسوة والشهود، ورب العالمين شهد ببراءته عن الذنب، وإبليس أيضا أقر ببراءته من المعصية. وإذا كان الامر كذلك فحينئذ لم يبق للمرء المسلم توقف في هذا الباب.
اما بيان ان يوسف عليه السلام ادعى البراءة من الذنب فهو قوله عليه السلام: (هي راودتني عن نفسي) وقوله: (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه).
واما بيان ان المرأة اعترفت بذلك، فلأنها قالت للنسوة (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) وأيضا قالت: (الان حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين).
واما بيان ان زوج المرأة أقر بذلك، فهو قوله: (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم * يوسف اعرض عن هذا واستغفري لذنبك).
واما الشهود: فقوله: (شهد شاهد من أهلها ان كان قميصه قد من قبل...) إلى آخر الآية.
واما شهادة الله فقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين). فقد شهد الله في هذه الآية على طهارته سبع مرات:
أولها - قوله: (لنصرف عنه السوء) واللام للتأكيد والمبالغة.
والثاني - قوله: (والفحشاء) اي كذلك يصرف عنه الفحشاء.
والثالث - قوله: (من عبادنا المخلصين) مع أنه قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا * وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
الرابع - قوله: (المخلصين) وفيه قراءتان، تارة باسم الفاعل وتارة باسم المفعول فوروده باسم الفاعل دل على كونه اتيانا بالطاعات والقربات مع صفة الاخلاص ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى أخلصه لنفسه، وعلى كلا الوجهين فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزها مما أضافوه إليه.