فالحجة الأولى: ان الزنا من منكرات الكبائر، والخيانة من معرض الأمانة من منكرات الذنوب وأيضا مقابلة الاحسان العظيم الدائم بالإساءة الموجبة للفضيحة الباقية والعار الشديد من منكرات الذنوب، وأيضا الصبي إذا تربى في حجر انسان وبقى مكفي المؤونة مصون العرض من أول صباه إلى زمان شبابه وكمال قوته، فاقدام هذا الصبي على ايصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم العظيم من منكرات الأعمال إذا ثبت هذا فنقول: ان هذه المعصية التي نسبوها إلى يوسف كانت موصوفة بجميع هذه الأربعة، ومثل هذه المعصية لو نسبت إلى أفسق خلق الله لاستنكف منه، فكيف يجوز اسناده إلى الرسول المؤيد بالمعجزات. ثم انه تعالى قال في عين هذه الواقعة: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وذلك يدل على أن ماهية الفحشاء مصروفة عنه. ولا شك ان المعصية التي نسبوها إليه أفحش اقسام الفحشاء، فكيف يليق برب العالمين ان يشهد في عين هذه الوقعة بكونه بريئا من السوء والفحشاء، مع أنه كان قد اتى بأعظم أنواع السوء والفحشاء أيضا.
فالآية تدل على قولنا من وجه آخر وذلك لأنا نقول هب ان هذه الآية لا تدل على نفي هذه المعصية عنه، الا انه لا شك انها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ ولا يليق بحكمة الله تعالى ان يحكي عن انسان اقدامه على معصية عظيمة، ثم انه يمدحه ويثني عليه بأعظم المدائح، عقيب ان يحكي عنه ذلك الذنب العظيم، فان مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب وأفحش الأعمال، ثم يذكره بالمدح العظيم والثناء البالغ عقيبه، فان ذلك يستنكر جدا، فكذا هاهنا.
الثالث - ان الأنبياء متى صدرت عنهم زلة أو هفوة استعظموا ذلك واتبعوها باظهار الندامة والتوبة ولو كان يوسف هاهنا على هذه الكبيرة المنكرة لكان من المحال ان لا يتبعها بالتوبة والاستغفار، ولو اتى بالتوبة لحكى الله عنه اتيانه بها، كما في سائر المواضع وحيث لم يوجد شئ من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب ولا معصية.