فاللائق بالمرأة القصد إلى تحصيل اللذة والتمتع، والقصد اللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق وإلى زجر العاصي عن معصيته، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، هممت بفلان، اي بضربه ودفعه، فان قالوا: فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله:
(لولا أن رأى برهان ربه) فائدة.
قلنا: فيه أعظم الفوائد وهو انه تعالى اعلم يوسف (ع) لو اشتغل بدفعها عن نفسه فربما تعلقت به، فكان يتمزق ثوبه من قدام، وكان في علم الله تعالى: ان الشاهد يشهد ان ثوبه لو تمزق من قدام، لكان يوسف (ع) هو الجاني، ولو كان ثوبه متمزقا من خلفه، لكانت المرأة هي الخائنة. فالله تعالى اعلمه هذا العلم، فلا جرم لم يشتغل بدفعها عن نفسه، بل ولى هاربا عنها حتى صارت شهادة الشاهد حجة على براءته عن المعصية.
(الوجه الثاني) في الجواب ان: نفسر الهم بالشهوة، وهذا مستعمل في اللغة فمعنى الآية ولقد اشتهته واشتهاها (لولا أن رأى برهان ربه) لدخل ذلك العمل في الوجود.
(الوجه الثالث) ان نفسر الهم، بحديث النفس. وذلك لأن المرأة الفائقة في الحسن والجمال إذا تزينت وتهيأت للرجل الشاب القوي، فلا بد وان يقع هناك بين الشهوة والحكمة وبين النفس والعقل مجاذبات ومنازعات، فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة وتارة تقوى داعية العقل والحكمة، فالهم عبارة عن جواذب الطبيعة ورؤية البرهان عبارة عن جواذب العبودية، ومثاله الرجل الصالح القائم في الصيف الصائم إذا رأى الجلاب المبرد بالثلج، فان طبيعته تحمله على شربه، الا ان دينه يمنعه منه، هذا لا يدل على حصول الذنب، بل كلما كانت هذه الحالة أشد، كانت القوة في القيام بلوازم العبودية أكمل، فقد ظهر بحمد الله صحة القول الذي ذهبنا إليه ولم يبق في يد الواحدي الا مجرد التصلف وتعديد أسماء المفسرين. واعلم أن بعض الحشوية روى عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: ما كذب إبراهيم عليه السلام الا ثلاث كذبات! فقلت الأولى ان لا تقبل مثل هذه الأخبار فقال على طريق الاستنكار: فان لم تقبله لزمنا تكذيب الرواة؟ فقلت يا مسكين ان قبلنا