فشاع الخبر بمصر وجعلن النساء يتحدثن بحديثها ويعذلنها وهو قوله تعالى:
(وقالت نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها) فبلغ ذلك امرأة العزيز، فبلغت إلى كل امرأة رئيسة، فجمعن في منزلها وهيأت لهن مجلسا ودفعت إلى كل امرأة أترجة وسكينا فقالت اقطعن، ثم قالت ليوسف اخرج عليهن، فلما نظرن إليه أقبلن (يقطعن أيديهن وقلن ان هذا الا ملك كريم) فقالت امرأة العزيز (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم - أي امتنع - ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن) فما امسى يوسف في ذلك اليوم حتى بعثت إليه كل امرأة رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف فقال (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن، أصب إليهن واكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) وأمرت امرأة العزيز بحبسه فحبس.
أقول: الصبي الذي كان في المهد هو ابن أخت زليخا وكان ابن ثلاثة أشهر ولما قطعن أيديهن لم يجدن وجع، وهذا حال العشق إذا غلب على القلب، كما في حكاية اليهودي الذي كان يصلح طعاما لجاريته في مرضها فلما سمع أنينها سقطت المغرفة التي كان يخوط القدر بها من يده، فعاد يخوط القدر بيده حتى تناثر لحم يده وما شعر به، وقد وقع مثله لكثير عزة ولغيره من العشاق السبعة، وقد شاهدت انا في شيراز رجلا يمشي والناس وراءه وفي يديه في كل واحدي سكينا يضرب بها على صدره واللحم يتناثر من بدنه وهو لا يحس به، فسألت عنه فقيل:
انه كان له محبوب فغيبوه عن نظره.
وتحقيق هذه المقالة في كتابنا " مقامات النجاة " (1) و " زهر الربيع " (2) بما لا مزيد عليه.
وعن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) فالآيات هي شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما