أجوفين، وجعل عز ملكه وآية نبوته في قرنه، ثم رفعه الله إلى السماء الدنيا فكشط الأرض كلها حتى أبصره ما بين المشرق والمغرب وآتاه الله من كل شئ علما وأيده في قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ثم هبط إلى الأرض وأوحى إليه: ان سر في ناحية غرب الأرض وشرقها فقد طويت لك البلاد وذللت لك العباد فأرهبتهم منك فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب، فكان إذا مر بقرية زأر فيها كما يزار الأسد المغضب، فبعث من قرنيه ظلمات ورعدا وبرقا وصواعق تهلك من يخالفه، فدان له أهل المشرق والمغرب، فانتهى مع الشمس إلى العين الحامية فوجدها تغرب فيها ومعها سبعون الف ملك يجرونها بسلاسل الحديد والكلاليب يجرونها من البحر في قطر الأرض الأيمن كما تجر السفينة على ظهر الماء.
فلما ملك ما بين المشرق والمغرب كان له خليل من الملائكة يقال له: رفائيل ينزل إليه فيحدثه ويناجيه، فقال له ذو القرنين أين عبادة أهل السماء من أهل الأرض؟ فقال ما في السماوات موضع قدم الا وعليه ملك قائم لا يقعد ابدا أو راكع لا يسجد ابدا أو ساجد لا يرفع رأسه ابدا. فبكى ذو القرنين وقال: أحب ان أعيش حتى أبلغ من عبادة ربى ما هو أهله؟ قال رفائيل: يا ذا القرنين ان لله في الأرض عينا تدعى عين الحياة، من شرب منها لم يمت حتى يكون هو يسأل الموت، فان ظفرت بها تعش ما شئت، قال: وأين تلك العين وهل تعرفها؟ قال: لا، غير انا نتحدث في السماء: ان لله في الأرض ظلمة لم يطأها انس ولا جان. فقال ذو القرنين: وأين تلك الظلمة؟ قال: ما أدري، ثم صعد رفائيل، فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رفائيل ومما اخبره عن العين والظلمة ولم يخبره بعلم ينتفع به منهما، فجمع ذو القرنين فقهاء أهل مملكته وعلماءهم.
فلما اجتمعوا عنده قال لهم هل: وجدتم فيما قرأتم من كتب الله ان لله عينا تدعى عين الحياة من شرب منها لم يمت؟ قالوا: لا، قال فهل وجدتم ان لله في الأرض ظلمة لم يطأها انس ولا جان قالوا: لا. فحزن ذو القرنين وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحب وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الأنبياء،