وإذا توجهوا لوجه لم يعدلوا عنه ابدا.
فلما أحست تلك الأمم بهم وسمعوا همهمتهم استغاثوا بذى القرنين وهو نازل في ناحيتهم، قالوا له فقد بلغنا ما آتاك الله من الملك والسلطان وما أيدك به من الجنود ومن النور والظلمة، وانا جيران يأجوج ومأجوج وليس بيننا وبينهم سوى هذه الجبال وليس لهم إلينا طريق الا من هذين الجبلين لو مالوا علينا أجلونا من بلادنا ويأكلون ويفرسون الدواب والوحوش كما يفرسها السباع ويأكلون حشرات الأرض كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح ولا نشك انهم يملأون الأرض ويجلون أهلها منها، ونحن نخشى كل حين ان يطلع علينا أوائلهم من هذين الجبلين، وقد اتاك الحيلة والقوة (... فاجعل بيننا وبينهم سدا * قال آتوني زبر الحديد).
ثم انه دلهم على معدن الحديد والنحاس فضرب لهم في جبلين حتى فتقهما واستخرج منهما معدنين من الحديد والنحاس، قالوا: فبأي قوة نقطع هذا الحديد والنحاس؟ فاستخرج لهم من تحت الأرض معدنا آخر يقال له السامور وهو أشد شئ بياضا وليس شئ منه يوضع على شئ الا ذاب تحته، فصنع لهم منه أداة يعملون بها.
وبه قطع سليمان بن داود أساطين بيت المقدس، وصخوره جاءت بها الشياطين من تلك المعادن، فجمعوا من ذلك ما اكتفوا به. فأوقدوا على الحديد النار، حتى صنعوا منه زبرا مثل الصخور فجعل حجارته من حديد ثم أذاب النحاس فجعله كالطين لتلك الحجارة ثم بنى وقاس ما بين الجبلين فوجده ثلاثة أميال، فحفروا له أساسا حتى كاد يبلغ الماء وجعل عرضه ميلا وجعل حشوه زبر الحديد وأذاب النحاس فجعله خلال الحديد فجعل طبقة من نحاس وأخرى من حديد ثم ساوى الردم بطول الصدفين فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد.
فيأجوج يأتونه في كل سنة مرة وذلك انهم يسيحون في بلادهم، حتى إذا