هلموا معشر قومي فأدخلوا هذا المسجد واسلموا على آخركم ولا تخالفوا علي فتهلكوا، ثم دعا دهقان الإسكندرية فقال له: أعمر مسجدي وعز عني أمي، فلما رأى الدهقان جزع أمه وطول بكائها احتال ليعزيها بما أصاب الناس قبلها وبعدها من المصائب والبلاء فيصنع عيدا عظيما، ثم اذن مؤذنه أيها الناس ان الدهقان يدعوكم ان تحضروا يوم كذا وكذا، فلما كان ذلك اليوم اذن مؤذنه أسرعوا واحذروا ان يحضر هذا العيد الا رجل قد عرى من البلاء والمصائب فاحتبس الناس كلهم، فقالوا ليس فينا أحد عرى من البلاء ما منا أحد الا وقد أصيب ببلاء أو بموت حميم، فسمعت أم ذي القرنين فأعجبها، ولم تدر ما أراد الدهقان، ثم إن الدهقان امر مناديا ينادي فقال: يا أيها الناس ان الدهقان قد امركم ان تحضروا يوم كذا وكذا ولا يحضر الا رجل قد ابتلى وأصيب وفجع ولا يحضره أحد عري من البلاء فإنه لا خير فيمن لا يصيبه البلاء، فلما فعل ذلك قال الناس هذا رجل قد بخل، ثم ندم واستحيى فتدارك امره ومحى عيبه.
فلما اجتمعوا، خطبهم ثم قال: اني لم أجمعكم لما دعوتكم له ولكني جمعتكم لأكلمكم في ذي القرنين وفيما فجعنا به من فقده وفراقه فذكروا آدم ان الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له ملائكته وأسكنه جنته ثم ابتلاه بأن عظم بليته وهو الخروج من الجنة، ثم ابتلى إبراهيم بالحريق وابتلى ابنه بالذبح، ويعقوب بالحزن والبكاء ويوسف بالرق وأيوب بالسقم ويحيى بالذبح وزكريا بالقتل وعيسى بالامر، وخلقا من خلق الله كثيرا لا يحصيهم الا الله عز وجل فلما فرغ من هذا الكلام قال لهم: انطلقوا فعزوا أم الإسكندر لننظر كيف صبرها فإنها أعظم مصيبة في ابنها، فلما دخلوا عليها قالوا لها: هل حضرت الجمع اليوم وسمعت الكلام؟ قالت لهم: ما غاب على من امركم شئ وما كان فيكم أحد أعظم مصيبة بالاسكندر مني ولقد صبرني الله وأرضاني وربط على قلبي، فلما رأوا حسن عزائها انصرفوا عنها. وانطلق ذو القرنين يسير على وجهه حتى أمعن في البلاد يؤم المغرب وجنوده يومئذ المساكين، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا ذا القرنين انك