رفعت بين أيديهم النيران في هرادي (1) القصب وهم ينادون: يا منصور! قال:
وسمع ذلك أمير الكوفة الحكم بن الصلت فأمر بدروب الأسواق فغلقت عن آخرها، وأمر بأبواب المسجد الأعظم فغلقوها لكي لا يخرج إلى معاونة زيد بن علي أحد.
قال: وارتفعت الضجة والتكبير من كل ناحية والناس يخرجون إلى زيد بن علي.
قال: واجتمع إليه مائتان وعشرون (2) رجلا. قال: وأصبح الناس. فنظر زيد إلى من وافاه من أصحابه فقال: يا سبحان الله العظيم! أين الناس؟ أحصيتهم أمس في ديواني خمسة عشر ألف إنسان وإنما وافاني منهم هؤلاء فقط! قال: فقالوا له:
يا بن رسول الله! الناس محصورون في المسجد الأعظم لكي لا يخرج إليك أحد، فقال زيد: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكم يبلغ هؤلاء المحصورون في المسجد؟ أين الباقون لا يخرجون إلينا؟ أما! إنهم أهل النكث والغدر.
قال: وتعالى النهار، وأقبل يوسف بن عمر من الحيرة ومعه أشراف الناس حتى وقف على تل قريب من الكوفة وأمر الناس بالتقدم إلى الحرب، فتقدم الناس واختلط بعضهم ببعض واقتتلوا ساعة، وحمل عمرو بن عبد الرحمن (3) صاحب شرطة الكوفة على زيد بن علي ليضربه، فحمل عليه رجل من أصحاب زيد يقال له نصر بن خزيمة العبسي فضربه ضربة جندله صريعا، ثم حمل على جيش أمير الكوفة فقتل منهم جماعة وهزمهم هزيمة فضيحة. وتقدم زيد بن علي حتى صار إلى جبانة الصائدين (4) فإذا هو بجماعة من أهل الشام يزيدون على سبعمائة (5) رجل، فلم يكذب زيد بن علي أن حمل عليهم فقتل منهم جماعة وهزمهم بين يديه. ثم أقبل الناس وإذا هو أيضا بجيش عظيم من أهل الشام على الخيل العتاق والسلاح الشاك.
فلما نظر إليهم حسر عن رأسه ثم حمل عليهم فكر بعضهم على بعض، وقتل منهم خلقا كثيرا. قال: وجعل يوسف بن عمر يوجه بقائد بعد قائد من وجوه أهل الشام وزيد بن علي واقف على أقل من ثلاثمائة رجل، فليس يقدم عليه جيش إلا أتى على