فداك! إن خالقها ومصورها لم يرض أن يجعلها مثلي، لكن جعلها أنظر مني وأضوأ وأحسن شكلا (1) وأكمل مني عقلا. قال: فتبسم زيد بن علي ثم قال: لقد رزقت فصاحة ومنطقا حسنا فأين فصاحة ابنتك من فصاحتك؟ فقالت: جعلت فداك يا بن رسول الله! أما أنا فنشأت بالحجاز، وهي نشأت بالكوفة، وما أقرب ما بيني وبينها في الفصاحة. فقال زيد: فإني قد رضيتها. قال: ثم واعدها وقتا، وجمع نفرا من الشيعة فتزوجها، ثم تجهزت وزفت إليه، فبنى بها وأولدها جارية، ثم ماتت بعد ذلك، فاغتم عليها زيد غما طويلا.
قال: وكان زيد بن علي رضي الله عنه لا يطيل المكث في مكان واحد خوفا على نفسه من يوسف بن عمر أن لا يعلم بمكانه. فكان يكون مرة بالأزد عند بني عم امرأته ومرة في بني عبس، والشيعة في خلال ذلك يبايعونه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسمة الفيء بين أهله بالسوية، ورد المظالم [واقفال المجمر] (2) والنصر لأهل البيت على من نصب لهم العداوة وجهل حصتهم. فكان الناس يبايعونه على ذلك، فإذا أقر الرجل منهم بذلك وبهذه البيعة يضع يده على المبايع ثم يقول:
عليك بهذه البيعة عهد الله وميثاقه وذمته (3)! فإذا قال ذلك الرجل: نعم، يمسح يده على يده ثم يقول: اللهم أشهد! ثم يكتب اسمه عنده، فلم يزل كذلك حتى بايعه خمسة عشر ألف إنسان من شيعته من أهل الكوفة. قال: ويوسف بن عمر لا يعلم بشيء من ذلك.
قال: ثم تحول زيد بن علي إلى جبانة (4) سالم فنزل دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة في أدنى بني فهد عند مسجد هلال بن عامر، فلم يزل على ذلك من شأنه بضعة عشر شهرا حتى أحكم أمره وأخذ البيعة على شيعته، ثم إنه أمرهم بالاستعداد والأهبة للخروج. قال: وشاع ذلك في الناس حتى تحدثوا به سرا وعلانية.
قال: وأقبل رجل من هل الكوفة يقال له سليمان بن سراقة البارقي إلى