إلى رجل من أصحابه فوجه به نحو خاقان ملك الترك. قال: وخاقان يومئذ على باب سمرقند وقد حاصر أهلها أشد الحصار، حتى عزم أهلها أن يسلموها. قال: فلم يشعر إلا وخيل المسلمين قد أشرفت، فلما نظر إليها أهل سمرقند فرحوا بذلك واستبشروا واشتدت ظهورهم. قال: ونظر خاقان إلى عساكر المسلمين قد وافت، فعبى أصحابه ودنا من خيل المسلمين، والتقى القوم على باب سمرقند فاقتتلوا، ونزل المسلمون عن دوابهم وجثوا على الركب وعزموا على الموت، واشتد القتال بين الفريقين، فقتل من المسلمين يومئذ بشر كثير، وقتل من المشركين زيادة على عشرة آلاف، وانهزم خاقان في باقي أصحابه، فمروا هاربين في الجبال والأودية والغياض حتى صاروا إلى بلادهم. وبلغ ذلك الجنيد بن عبد الرحمن فأقبل حتى دخل مدينة سمرقند، فنزلها ثم جمع أموالها، فأعطى كل ذي حق حقه، وفضل من أراد من أصحابه وبني عمه، وقصر بنصر بن سيار وبني عمه، فلم يفعل بهم ما يجب أن يفعل بأمثالهم من العطية والجوائز، فأنشأ نصر بن سيار يقول:
لئن كنت في دنيا وملك أصبته * بلا حسب زال ولا طعان فقد يبتلي ذو الملك بالبخل والغنى * ويصرف عن ورى الزناد هجان لعمري لقد أصبحت في اليوم راغبا * وقد حل منك اللوم كل مكان قال: ودعا الجنيد بن عبد الرحمن برجل من بني عدي يقال له موسى بن النصر (1) فضم إليه خمسة آلاف رجل من المقاتلة وجعله مقيما بمدينة سمرقند، ثم رحل حتى صار إلى مدينة مرو فنزلها، وكتب إلى هشام بن عبد الملك يخبره بما كان من أمر خاقان ومحاربته إياه، وبعث أيضا مع الكتاب إلى هشام بهدايا ومطارف من هدايا خراسان ودوابها وأموالها، ثم إن الجنيد بن عبد الرحمن مرض بمدينة مرو مرضا شديدا واستسقى بطنه فمات (2)، فقبره بمرو.
فلما مات الجنيد بن عبد الرحمن وثب رجل من أصحابه يقال له الحارث بن سريج، فتغلب على خراسان، واحتوى على مرو الروذ وفارياب والنمرود (3) والطالقان وعامة مدائن خراسان، فأخذها وجعل يجبي أموالها ويفرقها في أصحابه،