كس (1) ونسف (2) منن طريق البرية فغور الأبئار والطرق. وبلغ ذلك الجنيد بن عبد الرحمن فعلم أنه لا يقدر يسلك البرية، فأخذ على طريق آخر يقال له طريق الشعب. فلما توسطه هو وأصحابه وإذا بالترك قد أحدقوا بالمسلمين من كل ناحية على غير أهبة. قال: ودنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا قتالا لم يقاتلوا مثله في يوم مضى قبله. قال: وجعل نصر بن سيار يقاتل قتالا لم يسبقه إليه أحد من نظرائه، فلم يزل كذلك حتى انكشف على وجوههم وصارت الفعلة في أيدي المسلمين وقد قتل من الترك مقتلة عظيمة، وغنم الناس غنيمة عظيمة (3).
قال: وتكلم قوم عند الجنيد بن عبد الرحمن فقالوا: أصلح الأمير! إنه ليس يجب أن يغفل عن مثل نصر بن سيار ولا يقصر في بره لشرفه وشرف آبائه وسابقتهم في الاسلام وما قد رأى الأمير أصلحه الله من فعاله في هذا اليوم. قال: فغضب الجنيد بن عبد [الرحمن] وقال: من نصر بن سيار؟ وما كان من نصر بن سيار؟
فوالله إن أقل رجل في بني عمي قد عمل في هذا العدو ما لم يعمله نصر بن سيار، ولا يقدر عليه ولو عمر الدهر! قال: وبلغ ذلك نصر بن سيار فأنشأ يقول (4):
إن نشأت وحسادي ذوو عدد * يا ذا المعارج لا تنقص (5) لهم عددا إن تحسدوني على حسن البلاء لكم (6) * فإن مثل بلائي ولد الحسدا قال: فبلغ الجنيد بن عبد الرحمن ما قال نصر بن سيار، فأرسل إليه وترضاه وتعذره وأعتبه من موجدته عليه.
قال: وجعل خاقان يجمع الجموع لحرب المسلمين حتى صار في مائة ألف، وسار الجنيد في ثمانية وعشرين ألفا (7)، وأرسل إلى سورة بن الحر الدارمي وهو يومئذ بسمرقند أن أخرج بمن معك إلى خاقان، فإني قد زحفت إليه بخيلي ورجلي، فكن أنت من ورائه وأنا من بين يديه، فعسى الله تبارك وتعالى أن يهلكه. قال: