فقال: إني لم أقل ما قلته للدنيا، ولو أردت الدنيا لاتيت من الدنيا فائدة، ولكني رجوت ثواب الله عز وجل والتقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحبتكم، فأما ما أصاب أجسادكم الطاهرة من هذه الثياب فإني أقبله وألبسته ألتمس بذلك البركة، وأما هذه الألف دينار وما لم يصب أجسادكم فلا حاجة لي فيها، ولو كنت محتاجا لكنتم أحق من آخذ منه شيئا، ولكني غني بحمد الله ومنه. قال: ثم أخذ الثياب التي قد لبست، ورد سائر ذلك ولم يقبل منه شيئا.
قال: وكتب هشام بن عبد الملك إلى خالد بن عبد الله القسري يأمره أن يكتب إلى أخيه أسد بن عبد الله بخراسان (1) بالجهاد، فجمع أسد بن عبد الله المسلمين وسار نحو الترك والسغد فرجع مفلولا ولم يصنع شيئا، ثم رجع في السنة الثانية، غزا فلم يصنع شيئا، ثم غزا في السنة الثالثة فوغل في بلاد الترك وجبالهم وشعابهم فرجع ولم يصنع شيئا وقد مات من أصحابه خلق كثير من الجوع والعطش. ثم أرسل أسد بن عبد الله إلى وجوده قواده مثل نصر (2) بن سيار الكناني وعبد الرحمن بن نعيم المازني (3) وسورة بن الحر (4) الدارمي والبختري بن أبي الدرهم القيسي فقال لهم:
يا أعداء الله! والله ما أوتى إلا من قبلكم، وذلك أنكم لا تنصحون أمير المؤمنين في الجهاد ولا تناصحون. قال: ثم جردهم فضربهم بالسياط، وحلق رؤوسهم ولحاهم، وقيدهم وغل أيديهم إلى أعناقهم، وبعث بهم إلى أخيه خالد بن عبد الله القسري إلى العراق، فأنشأ نصر بن سيار يقول في ذلك (5):
بعثت بالعتاب في غير جرم * في كتاب تلوم أم حكيم لا تلومي على البلاء فإن الل * - ه يؤتي البلاء بعد النعيم قال: وبلغ ذلك هشام بن عبد الملك فغضب لما فعل أسد بن عبد الله بهؤلاء القوم، فأرسل إليه فعزله عن خراسان (6)، وولى مكانه رجل من أهل الجزيرة يقال