فلما دخلت سنة ست وتسعين ومائة خلع محمد بن هارون ببغداد وأخذت البيعة للمأمون، وحبس محمد في قصر أبي جعفر مع زبيدة، وكان الحسين بن علي بن ماهان حبسه، فقام أسد الحارثي (1) وجمع خلقا وجاء إلى باب القصر، وقاتل الحسين بن علي وأصحابه قتالا شديدا وأسره، ودخل أسد على محمد وكسر قيده وأقعده في مجلس الخلافة، ثم رضي محمد عن الحسين بن علي وخلع عليه وعلى أصحابه ورد إليه قيادته، وجددت البيعة لمحمد، وكان حبسه يومين.
وتوجه طاهر بن الحسين إلى الأهواز وبها يومئذ محمد بن يزيد المهلبي مع جيش عظيم متوجه نحو طاهر، وقاتله بنفسه قتالا عظيما لم ير مثله في هذه الأيام، وانتهى بعض أصحاب طاهر إلى محمد بن يزيد وطعنه طعنة عظيمة بالرمح صرعه، وتبادر أهل العسكر بالطعن والضرب حتى قتلوه وحزوا رأسه، وخرج طاهر حتى حصل بباب بغداد فأخذ أصحاب محمد في الغارة.
وقام العيارون وأهل الفساد يتعلقون بالمرأة الصالحة بالسوق ولا يمنع، ويحملون أولاد التجار وهم عند آبائهم ولا يجترئون على منعهم، وانتشر أمر محمد وضعف وتبدد جنده وأحس من طاهر العلو عليه والظفر. ثم استأمن خزيمة بن خازم ومحمد بن علي بن عيسى وخلعا محمدا ودعوا للمأمون، فسكن العسكر وألزموا مساكنهم واستقروا في منازلهم، وغدا الطاهر على المدينة الشرقية وأرباضها (2) والكرخ وأسواقها وهدم قنطرتي الصراة العتيقة والحديثة، واشتد عندهما القتال على أصحابه، وباشر القتال بنفسه، وقاتل من كان معه بدار الرقيق فهزمهم حتى ألحقهم بالكرخ وهزم أصحاب محمد، وقصد إلى المدينة التي لأبي جعفر فأحاط بها وبقصر زبيدة، وحاصر قصر الخلد، وخرج محمد وابنه وأمه إلى مدينة أبي جعفر وتفرق عامة جنده وخصيانه وجواريه في السكك والطرق لا يلوي أحد منهم على الاخر، وتفرق الغوغاء والسفلة، وتحصن محمد بالمدينة هو ومن يقاتل معه، وحاصره طاهر وأخذ عليه الأبواب ومنع منه ومن أهل المدينة الدقيق والماء، وبلغ أمره إلى أنه أكل وطلب الماء فلم يجده.
وذكر عن إبراهيم المهدي أنه كان نازلا مع محمد المخلوع في مدينة المنصور