وملك ذي العرش دائم أبدا * ليس بفان ولا بمشترك (1) فقال لها: قومي عليك غضب الله! فقامت وبين يديه قدح محكم الصنعة، فعثرت بالقدم فكسرته. فقال لي: يا إبراهيم! أما ترى ما جاءت به هذه الجارية ثم ما كان من أمر القدح، والله ما أظن أمري إلا وقد قرب! فقلت: أطال الله عمر أمير المؤمنين وأعز ملكه! فما استتم الكلام حتى سمعنا صوتا من دجلة (قضى الامر الذي فيه تستفتين) (2) فقال لي: يا إبراهيم! أما سمعت ما سمعت؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين ما سمعت شيئا، ثم عاود بالحديث فعاد الصوت (3)، فوثب من مجلسه ذلك مغتما، ثم ركب ورجع إلى موضعه في المدينة، فما كان بعدها إلا ليلة أو ليلتان حتى قتل وحدث من أمره ما حدث.
وفي رواية أخرى أنه لما اشتد به الحصار اشتد اغتمامه فضاق ذرعا، فدعا بندمائه والشراب ليتسلى به، وكان له جارية يختصها من بين جواريه، فأمرها أن تغني، وتناول كأسا يشربه، فحبس الله لسانها عن كل شيء فغنت:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا * وأكثر ذنبا منك ضرج بالدم فرماها بالكأس فطرحها الأرض ثم دعا بكأس أخرى فتناولها، ودعا بجارية أخرى فأمرها بالغناء فغنت:
قومي هم قتلوا أمين أخي * فإذا رميت يصيبني سهمي (4) قال: فرمى وجهها بالقدح ورمى الصينية برجله وعاد إلى ما كان فيه من همه وغمه، فلم يلبث أن قتل بعد ذلك بأيام يسيرة. ويروى أن محمدا الأمين لما حاصره