على المنابر وسماه الناطق بالحق (1) وفسد بينه وبين المأمون ومكر كل واحد منهما بصاحبه، ولم يكن ذلك من رأي الأمين محمد ولا عزمه بل كان عزمه الوفاء لأخيه بما كان قد احتلف عليه لهما والده الرشيد من العهود والمواثيق، ولم يزل الفضل بن الربيع يصغر عن الأمين حال المأمون ويزين له خلعه، حتى قال: ما ينتظر أمير المؤمنين بعبد الله والقاسم! اخلعهما، فإن البيعة كانت [لك] متقدمة قبلهما ودخلا بعدك (2)، وعاونه على ذلك علي بن عيسى بن ماهان والسندي وبكر بن المعتمر حتى أزالوا محمدا الأمين عن رأيه، فأول ما أظهر الأمين من الخلاف أنه ترك دعاء المأمون على المنابر ودعا لابنه موسى، والثاني أنه كتب إلى المأمون يسأله أنه يتجافى عن كورتين من كور خراسان وأنه يوجه العمال إليهما من قبله - يعني الأمين محمد -، والثالث [أنه] تمكن من نفسه صاحب بريد يكتب إلى الأمين بخبره.
فلما ورد الكتاب على المأمون بذلك اشتد عليه وغضب غضبا شديدا، وشاور الفضل بن سهل وأخاه وجميع شيعته، فقال الجميع: السبيل أن تصبر ولا تنقض العهد فإنه إن بغى عليك أخوك فالله ناصرك عليه، وليكن جوابك إليه جوابا حسنا وأظهر له التواضع والطاعة، ففعل ما أشاروا عليه به (3). وأمر المأمون عماله وحراسه من حدود الري أن لا يأتي أحد من العراق ولا أحد من خراسان إلا بجواز بعد أن يفتش غاية التفتيش، فكان أهل خراسان يحبون المأمون ويتقربون إليه ويوالونه موالاة صادقة. وكان للمأمون ببغداد أموال وأولاد فطلب من الأمين فلم يردها إليه.
وشاور الأمين يحيى بن سليم وكان ذا رأي وعقل رصين ومعرفة بأمور الدول في خلع المأمون، فقال له يحيى: يا أمير المؤمنين! لا تجاهره مجاهرة يستنكرها الناس ويظهر شناعتها للعامة، ولكن الرأي يا أمير المؤمنين! أن تستدعي (4) الجند بعد الجند (4) والقائد بعد القائد، وتنوبهم (5) بالألطاف والهدايا، وتستميلهم