لما حاصره طاهر، فخرج ذات ليلة من قصره يريد أن يتفرج من الضيق الذي هو فيه فصار إلى قصر القرار (1) فقال لي: يا إبراهيم! أما ترى طيب هذه الليلة وحسن هذا القمر في السماء وضوءه في الماء فهل لك والشرب؟ فقلت: شأنك وما تريد جعلني الله فداك! فدعا برطل من نبيذ فشربه، ثم أمر بسقيته مثله، فابتدرت أغنيه من غير أن يسألني لعلمي بسوء خلقه، فغنيت ما كان يحبه، فقال لي: ما تقول فيمن يضرب عليك؟ فقلت: ما أحوجني إلى ذلك! فدعا بجارية متقدمة عنده يقال لها صعب (2)، فتطيرت من اسمها ونحن في ذاك الحال الذي نحن فيه من الضيق والحصر، فلما صارت بين يديه قال: غني! فغنت (3) بشعر النابغة الجعدي:
كليب لعمري (4) كان أكثر ناصرا * وأيسر ذنبا (5) منك ضرج بالدم قال: فاشتد عليه ذلك البيت الذي غنته له ثم تطير منه، فقال: غني غير هذا! فغنت (6):
أبكي فراقهم عيني فأرقها * إن التفرق للأحباب بكاء ما زال يعدو عليهم صرف دهرهم * حتى تفانوا وريب (7) الدهر عداء فقال لها: لعنك الله! أما تعرفين تغني غير هذا؟ فقالت: يا سيدي! ما تغنيت إلا بما ظننت أنك تحبه، وما هو إلا شيء جاءني، ثم أخذت في غناء آخر:
أما ورب السكون (8) والحرك * إن المنايا كثيرة الشرك ما اختلف الليل والنهار ولا * دارت نجوم السماء في الفلك إلا لنقل السلطان عن ملك * قد انقضى ملكه إلى ملك