العباس بن زفر: أما بعد فإن الله تعالى ولي من والاه وعدو من عاداه، وقد علم الله تعالى أنكما من أعدائه ولستما من أوليائه، وبالله أحلف قسما صادقا لأوردنكما ونساءكما وذريتكما موارد الهلكة أو تذهب نفسي قبل ذلك! وقد عرفتماني ولم يخف عليكما ما نزل بالمخلوع محمد ابن زبيدة مني! وأنا الذي يقول:
ملكت الناس قسرا واقدارا * وقتلت الجبابرة الكبارا ووجهت الخلافة نحو مرو * إلى المأمون تبتدر ابتدارا (1) قال: فأجابه نصر بن شبث:
أتيت بكذبة ونطقت زورا * ولم تحذر وقائعي الكبارا وهيجت العفرني في عرين * وفقت الأسد قسرا واقتدارا قال: فلما وصلت إليه هذه الأبيات غصب طاهر بن الحسين ثم إنه سار حتى تقارب من مدينة كيسوم، فلم يبق بينه وبينها إلا مرحلة واحدة لا أقل ولا أكثر، فكتب إليه: أما بعد فاقبل الأمان تر خيرا، وإياك من الضراب والطعان! قال: فكتب إليه نصر بن شبث بهذه الأبيات:
إذا ظلمت حكامنا وولاتنا * خصمناهم بالمرهفات الصوارم سيوف تخال الموت خالف حدها * مشطبة تفري رؤوس الجماجم ثم كتب إليه أسفل كتابه: إن شئت فاستقم وإن شئت فاستأخر - والسلام -.
قال: فسار طاهر بن الحسين في جيش عرمرم، والتقى القوم للقتال، واشتبك الطعام والضراب بين الفريقين، فجعل نصر بن شيث يضارب القوم بسيفه وهو يرتجز ويقول:
إني غلام قد خرجت من مضر * أضرب بالسيف إذا الرمح انكسر قال: واقتتل القوم قتالا شديدا. قال: وجعل طاهر يكر على الخيل التي لنصر بن شبث فيقاتل أشد قتال، ثم يقف ويتروح ويقول:
دهن الغبار وصحفتي مصقولة * ومطيتي ظهر الأقب الأشقر وإذ تنازعني أقول لها اصبري * موت يريحك أو صعود المنبر