فلما قدم الفضل عليه فرح به فرحا شديدا وقربه وأدناه وجعله وزيره وصاحب أمره وأعماله، وفوض إليه ما وافى به. قال: وكان الفضل بن الربيع هو الذي يولي الأمور والولاة ويعزلهم، ويرفع من أراد رفعه. ويضع من أراد وضعه. قال: واحتجب الأمين فلم يكن يصل إليه أحد ولا يجلس الناس إلا في فرط، وكان الفضل بن الربيع هو المتولي لجميع الأمور وأسباب الملك وتدبيرها، وقد ذكر ذلك أبو نواس في قصيدة حيث يقول:
لعمرك ما غاب الأمين محمد * عن الامر يعنيه إذا شهد الفضل ولولا مواريث الخلافة إنما * له (1) دونه ما كان بينهما فضل قال: وحدثني أبو يزيد المهلبي قال: لما صارت الخلافة إلى محمد الأمين فخلى للهو واللعب والنزهة، ثم إنه ابتاع أنواع الجواهر واشتغل بالنساء، فلما أسرف في ذلك وطال على الناس ذلك وجدوا في قلوبهم قسوة، فدخل عليه إسماعيل بن صبيح وهو كاتبه وصاحب سره فقال: يا أمير المؤمنين! إن قوادك وجندك وعامة رعيتك قد ساءت ظنونهم، وخبثت أنفسهم، وكبر عليهم ما يرون احتجابك عنهم وإهمالك النظر في أمورهم، فلو جلست لهم ساعة من نهار ليدخلوا فيسلموا على أمير المؤمنين؟ فقال الأمين: إني فاعل ذلك غدا إن شاء الله تعالى. قال: فلما كان من الغد جلس الأمين في مجلسه وأمر ببابه ففتح، وأمر بالستور فرفعت، وأذن للناس فدخلوا عليه وجلسوا في أماكنهم ومراتبهم، فقام الخطباء فخطبوا، قام الشعراء فأنشدوا، وقام فيمن قام يومئذ أبو نواس فقال: يا أمير المؤمنين! إن هؤلاء الذين أنشدوا إنما هم أهل مدر وحجر وشياه وإبل، وقد حفت ألفاظهم وغاضت بحورهم وليس لهم بصر بمدح الخلفاء ونشر مكارم الكرماء، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في النشيد فليفعل! قال: فأذن له الأمين في ذلك، فأنشد يقول:
ألا دارها بالماء حتى تلينها * فلم تكرم الصهباء حتى تهينها أغالي بها حتى إذا ما ملكتها * أهنت بإكرام الخليل مصونها وصفراء قبل المزج بيضاء بعده * كأن شعاع الشمس يلقاك دونها قال فقال له محمد الأمين: يا عدو الله وعدو نفسه! أليس قد نهيت عن شرب