باردة فقال: علي بالفضل بن يحيى الساعة! قال: وكان الفضل عديل أبيه يحيى في المحل، فلما دعا به أيس من الحياة وأيس الناس منه، ثم أنزل وعليه قميص رقيق ودراعة طاق فحمل على بغلة، وقد أوقفت عمارية الرشيد، فتقدم إليه الفضل على البغل، فقال له الرشيد: يا فضل! فقال: لبيك يا أمير المؤمنين! فقال: ادن مني! قال: فدنا منه، فقال: هات يدك! فمد يده، فوضع الرشيد في يده درهما واحدا (1)، ثم قال: إني كنت قد حلفت أفقرك حتى تحتاج إلى درهم، فقال الفضل: فقد بر الله قسم أمير المؤمنين! قال: وفر الرشيد كلامه لا يرتفع، فعلم أن ذلك من البرد فجعل عليه دراعة كانت عليه مبطنة فلبسها، قال: ثم أمر بفك قيوده ورده إلى محله، ثم سار حتى دخل الرقة فنزلها. وبعثت أم الفضل بن يحيى إلى مسرور الخادم فدعته، ثم قالت: إني عندي شيئا أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين ولا ينظر إليه غيره. قال: فأقبل مسرور الخادم فاستأذنه في ذلك فأذن له، فجاءه من عندها بسفط لطيف مختوم هندي وعليه قفل من ذهب، فجاء به حتى وضعه بين يديه فأمر بفتحه ففتح، فإذا فيه سرته وقميص ولادته وأمور مما يتولى الحواضن، فدمعت عينا الرشيد ثم قال: ليس إلى خلاصه سبيل، ورد السفط إليها وأرسل إليها عشرة آلاف درهم وأمرها أن تزور ابنها في الحبس في أي وقت أحبت! فيقال: إن يحيى بن خالد كان نائما فجاؤوا ليهنئوه فإذا هو مات (2). والفضل أيضا ضرب بالسياط حتى مات (3).
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: حدثني عمرو بن محمد النخعي الرقي وكان أبوه وعمه ممن يلعبان بالشطرنج، قال: كنت عند أمير المؤمنين الرشيد بالرقة ألعب بالشطرنج، فلعبت معه ذات يوم وليلة على شاطئ الفرات والشمعة بين يديه، فارتفع عليه شاه رخ ضربته إياها فمثلت بيت شعر لأبي كبير (4) الهذيلي حيث يقول:
تلمظ (5) السيف من شوق إلى النفس * فالسيف يلحظ والاقدار تنتظر قال: والله ما قلت هذا البيت تعمدا مني لشيء، وإنما جرى على لساني،