دخلنا طوس ونزلنا في منزل حميد بن عبد الله (1)، فبينا أمير المؤمنين في بستان ذلك القصر متمرض إذ ذكر تلك الرؤيا، فوثب متحاملا يقوم ويسقط، فقال: يا جبرئيل!
تذكر رؤياي في طوسي، ثم رفع رأسه إلى مسرور الخادم وقال: جب لي من تربة هذا البستان! فمضى مسرور وأتى وفي كفه من التربة حاسرا عن ذراعيه، فلما نظر إليها قال: هذه والله الذراع التي رأيتها (2) في الشام، وهذه التربة الحمراء، فأقبل على البكاء والنحيب، ثم مات بعد ثلاثة أيام، ودفن في ذلك البستان نصف الليل لثلاث خلون من شهر جمادى الأول سنة ثلاث (3) وتسعين ومائة، واستخلف ليلة الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة وهو يومئذ ابن اثنتين وعشرين سنة، وتوفي ليلة الاحد وهو ابن خمس (4) وأربعين سنة، فملك ثلاثا (5) وعشرين سنة وشهرا (6) وسبعة عشر يوما (7)، وكان مولده بالري، وفي ذلك يقول أبو العتاهية:
إن أمير المؤمنين في خلقه * حن به البر إلى مولده ليصلح الري وأقطارها * ويمطر الخير بها من يده وهذا في رواية بكر بن إسماعيل، وقيل: كان ملكه ثلاثا (8) وعشرين سنة وستة عشر يوما. وكان جسيما جميلا وسيما، أبيض جعد الشعر قد وخطه الشيب، وكان يصلي كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة، وكان يتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم، وإذا حج حج معه مائة من الفقهاء، فالسنة التي لا يحج فيها أحج ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة، وكان في الهيبة والسياسة مثل المنصور و [في] السماحة مثل السفاح. فلما مات كتب الخير إلى المأمون وهو يومئذ بمرو،