يرتاب فيها البريء، فأردت الدخول عليه فمنعت من ذلك وأجلت فدخلني من ذلك رعب شديد، وجعلت أتذكر ذنبا فلا أجده، فلما دخلت عليه سلمت وهو رام بجهمته على قضيب كان في يده، فرفع رأسه إلي وقال: يا عبد الملك! من الذي يقول هذه الأبيات:
لو أن جعفر خاف (1) أسباب الورى * لنجا بمهجته طمر ملجم (2) ولكان من حذر المنون بحيث لا يربو اللحاق به العقاب القشعم (3) لكنه لما تقارب يومه (4) * لم يدفع الحدثان منه منجم قال فقلت: لا أعرف هذه الأبيات، قال: فالتفت إذا إلى ورائك! هل تعرف هذا الرأس؟ فإذا بطشت من فضة وفيه رأس جعفر بن يحيى البرمكي، فقلت: والله لا أعرف هذا الرأس رأس من في هذا الوقت، فقال: بلى هو رأس من كنا في ذكره، والله ما قتلته حتى استخرت الله تعالى فيه مرارا. قال: فخرجت من عنده وقد أفرج روعي حتى صرت إلى منزلي وعلمت أن الأبيات التي أنشدها له لا لغيره.
قال: فلما كان من الغد نظرت إلى الناس يتعادون إلى خشبة وعليها جثة.
قال: فقال إسماعيل بن غزوان: حدثني أبو عبد الله المروزي - وكان متولي أمر الأسواق - قال: لما قتل جعفر بن يحيى لم يترك أحد من البرامكة إلا أخذه واستوثق منهم بالحديد وحبسهم، ثم إنه مضى إلى الري فأقام بها ما شاء الله أن يقيم، ثم إنه ولى على كور خراسان من أراد من القواد وولى علي بن عيسى على جميع الامراء وجعله خليفة للمأمون، ثم انصرف راجعا يريد العراق فأدركه الأضحى في الطريق فنزل وضحى في موضع يقال له قصر اللصوص، ثم رحل من هنالك حتى صار إلى بغداد، فلما بلغ الجسر نظر إلى جعفر بن يحيى على خشبة فأمر بإحراقه فأحرق، فأقام بها ما أحب الله أن يقيم، ثم إنه مضى يريد الرقة وقد حمل معه يحيى بن خالد وابنه الفضل وموسى ومحمدا أخوي الفضل. قال: فبينما هو يسير ذات ليلة مقمرة