خندقا ويأتيك مدد أهل البصرة والبحرين وأهل عمان في السفن فتقاتل عدوك إذا أتاك. قال فقال له يزيد: قبح الله هذا الرأي! إلي يقال هذا! والله إن الموت لأيسر علي من ذلك، وإني لم أزل أبغض الهزيمة مذ كنت. قال فقال له الرجل، أيها الأمير! إني إنما قلت هذا القول لما أتخوف عليك، ألا ترى إلى ما حولك كأنهم جبال حديد؟ قال فقال يزيد؟ ما كنت بالذي أبالي أجبال حديد كان أم ج بال نيران (1)! فاذهب عنا إن كنت لا تحب أن تقاتل معنا، قال: ثم جعل يزيد يتمثل بقول الأعشى وهو يقول:
أبالموت يرميني سفاها وإنما * رأيت منايا الناس يسعى دليلها (2) فما ميتة إن متها غير عاجز * بعار إذا ما غالت النفس غولها قال: ثم حمل يزيد بن المهلب على أهل الشام وحمل الناس معه فاقتتلوا قتالا شديدا، وارتفع الرهج وسطعت الغبرة واضطرب القوم اضطرابا شديدا. ثم انجلت الغبرة عن الفريقين وقد قتل منهم نيف على ثلاثة آلاف، وإذا بيزيد بن المهلب في وسط القتلى من الفريقين (3) وقد وقعت به نيف على ثلاثين ضربة، فأنشأ بعض أهل الشام يقول:
ألا ترى بطشة الله التي بطشت * بابن المهلب إن الله ذو نقم فما الجياد من البلقاء منصلتا * شهرا يغلغل في الأرسان واللجم حتى أتت أرض هاروت لعاشره * فيها بنو دحمة الحمراء كاللجم لما رأوا أن مكر الله حاق بهم * وأنهم مثل ضلال من البهم فأصبحوا لا نرى إلا مساكنهم * كأنهم من ثمود الحجر أم إرم قال: وإذا أربعة من ولد المهلب قد قتلوا في معركة واحدة منهم حبيب بن المهلب وحماد بن المهلب ومدرك ويزيد، فأنشأ بعض آل المهلب في ذلك يقول:
سقى الله أجسادا ببابل كسروا * سيوفهم والأثرى المعضدا حبيبا وحمادا وذا البأس والندى * يزيد وأسقى مدركا ومحمدا