وعبى مسلمة أصحابه ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين، وعبى يزيد أصحابه كذلك (1)، وجالت الخيلان وخرج رجل من أهل الشام يدعو المبارزة، فما لبث أن خرج إليه حبيب (2) بن المهلب والتقيا بصربتين، ضربه حبيب ضربة اتقاها الشامي (3) بحجفته فقدت الضربة الحجفة ووصل إلى يد الشامي، وعلى كف الشامي يومئذ كف من حديد فقطع السيف الكف فرمى بها إلى الأرض، فولى الشامي إلى أصحابه وهو لما به، فصاح به حبيب بن المهلب: عليك بالمنجل والحصاد، فإن المنجل أعود عليك من مبارزة الاقران. قال: ثم حمل الفريقان بعضهم على بعض فاقتتلوا قتالا شديدا، وجعل يزيد بن المهلب يقاتل أهل الشام قتالا لم يسمع بمثله حتى قتل منهم جماعة، ثم جعل يدنو من صفوف أهل الشام حتى نظر إلى مسلمة واقفا في القلب، فنادى يزيد بن المهلب: يا مسلمة! هل لك أن تبرز إلي وتعفي الفريقين من القتال؟ قال: فالتفت مسلمة إلى أصحابه فقال: ما تقولون؟ فقال له رجل من بني كليب يقال له عياش الفحل (4): أصلح الله الأمير! إنه يزيد بن المهلب فارس العراق قاطبة، فقال له مسلمة: صدقت يا عياش! إنه لكذلك ولكنه قد دعاني إلى المبارزة وهذا عار علي إن لم أبرز إليه، فقال له عياش الفحل: صدقت أصلح الله الأمير! هو والله العار أو الموت، فاختر أيهما شئت، قال: فسكت مسلمة ولم يبرز إليه. قال: وإذا برجل قد أقبل إلى يزيد بن المهلب فقال: أيها الأمير! ما يقيمك وقد قتل حبيب بن المهلب؟ فقال يزيد: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا خير في العيش من بعد حبيب، والله لقد كنت أحب الحياة من قبل ولقد أبغضتها في وقتي هذا! قال:
ثم تقدم يزيد بن المهلب على برذون له أشهب وسيفه في يده كأنه صاعقة، فجعل يقاتل قتال رجل قد أيس من الحياة، فما يدنو من كتيبة من كتائب أهل الشام إلا كشفها حتى قتل منهم بشرا كثيرا.
قال: وإذا برجل من أصحابه قد أقبل إليه فقال: أيها الأمير! أعظم أجرك في أخيك ابن المهلب! قال: فبقي يزيد واقفا لا يحلى ولا يمر، فقال رجل من بني عمه: (5) أيها الأمير! أشير عليك أن تنهزم إلى واسط فتنزلها وتخندق على نفسك