ثم حمل دارس على جميع أهل البصرة ففرق الناس يمنة ويسرة، وقتل منهم جماعة وجرح منهم بشر كثير، فأنشأ الفرزدق بن غالب يقول في ذلك:
تفرقت الخيلان (1) إذ صارح دارس * ولم يصبروا تحت (2) السيوف الصوارم جزى الله قيسا عن يزيد (3) ملامة * وخص بها الأدنين أهل الملاوم (4) فقل لعدي حال ما كنت تبتغي * إليك ولا تحفل بجند الدراهم أتاك فتى لم تخدم القوم أمه * طويل السرى ألفيته غير نائم قال: وأقبل يزيد بن المهلب في نفر من بني عمه ومواليه حتى حمل على عدي ابن أرطاة وأصحابه حملة فكشفوهم حتى بلغ بهم إلى دار الامارة، ثم إنه كسر السجن فأخرج من كان فيه من إخوته وبني عمه ومواليهم وشيعتهم فضمهم إليه، ومر عدي بن أرطاة منهزما (5) حتى دخل دار الامارة وانهزم الناس ودخلوا منازلهم. وأقبل يزيد بن المهلب حتى نزل في دار أم محمر بنت عبد الله بن عثمان الثقفي (6) وأرسل إلى عدي بن أرطاة فأتى به أسيرا هو وجماعته من بني عمه، فلما وقف بين يدي يزيد جعل يتبسم، فقال له يزيد: مما تضحك وتتبسم؟ والله لقد كان ينبغي لك أن يمنعك من الضحك خلتان: إحداهما الفرار (7) من الكريهة حتى أعطيت بيدك كما تعطي الأمة الوكعاء، والثانية أني أتيت بك وأنت تتل [كما يتل] (8) العبد الآبق إلى أربابه، وليس معك مني عقد ولا عهد فما يؤمنك مني إن أضرب عنقك؟ قال فقال له عدي بن أرطاة: أبا خالد! إنك قد قدرت ومننت فتلك شيمتك، وإن عاقبت فبما كسبت يداي مع أني أعلم أن بقائي متصل ببقائك وإن أهلكتني أنت مطلوب منه أخرى، فإنك قد رأيت جنود الله بالشام، وعلمت بلاء الله عند أهله في كل موطن من مواطن أهل الغدر والنكث، فتدارك أمرك وزلتك بالتوبة واستقالة العثرة من قبل أن