ثم نقل الواقدي عن عمر قال: كان عمر يقول: لما صاح الشيطان: قتل محمد، أقبلت أرقي في الجبل كأني أروية (1) فانتهيت إلى النبي وهو يقرأ: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل...) * (2).
وفي هذا عكس الأمر فكأن النبي كان قد سبق أصحابه إلى الجبل قبل الصيحة! فلما صاح الشيطان أقبلوا إليه فنزلت عليه الآيات من آل عمران ثم انتهوا إليه وهو يقرأ بها! اللهم لم يكن لهم أن ينكشفوا عن نبيك من سفح الجبل حتى يعلونه بحجة أن نبيك قد سبقهم إليه فأقبلوا حتى انتهوا إليه، ولهم الحجة أيضا: أن الشيطان أو إبليس من الشياطين صاح أو صرخ بقتل رسولك، وأنك أردت من ذلك أمورا، كما قالوها (3).
هذا، وقبل أن ننتقل إلى عرض أخبار الصيحة أو الصرخة عرضنا لكثير من أخبار النكسة أو الهزيمة ولم تصرح بصرخة ولا صيحة إلا قول ابن قميئة بأنه قتل محمدا، مع أنها لو كانت لكانت من أكبر أسباب الإنكشاف عنه (صلى الله عليه وآله) وأهم عوامل القلاقل، فكيف يخلو خبر من علل انكسار الكثرة وبقاء القلة عن أكبر أسبابه وأهم علله؟!
ثم كيف يصيح الشيطان ويريد الرحمان من ذلك أمورا كما قالوا (4)، ثم هو يذكر ذلك في آيات من كتابه تتلى آناء الليل وأطراف النهار إلى يوم الخلود، يخلد فيها ذلك يلومهم بها ويؤنبهم ويقرعهم ويوبخهم؟! عفوك اللهم أنت أعدل من ذلك وأفضل، وهيهات! ما ذلك الظن بك، ولا المعروف من فضلك، ولا مشبه لما