منهم إلى الغنيمة فترك مركزه وأكب على النهب! والذي كسر المسلمين يومئذ ونال منهم كل منال خالد بن الوليد، وكان فارسا شجاعا ومعه خيل كثيرة ورجال أبطال موتورون، واستدار خلف الجبل فدخل من الثغرة التي كان الرماة عليها فأتى من وراء المسلمين، وتراجع قلب المشركين بعد الهزيمة فصار المسلمون بينهم في مثل الحلقة المستديرة واختلط الناس، فلم يعرف المسلمون بعضهم بعضا وضرب الرجل منهم أخاه وأباه بالسيف وهو لا يعرفه لشدة النقع والغبار، ولما اعتراهم من الدهشة والعجلة والخوف، فكانت الدبرة عليهم بعد أن كانت لهم.
ومثل هذا يجري دائما في الحرب (1) وليست الصرخة ولا الصيحة، اللهم إلا تبريرا وتوجيها للغلطة، وتخفيفا لدور ابن الوليد! ولم يذكر الصرخة النقيب أبو يزيد، ولا استدرك بها عليه ابن أبي الحديد.
وينتبه ابن أبي الحديد في كتابه بعد هذا إلى منافاة وتهافت في أخبار الصيحة، فيقول: سألت المحدث ابن النجار عن هذا الموضع فقلت له: قصة أحد تدل على أن الدولة بادئ الحال كانت للمسلمين، فلما صاح الشيطان: قتل محمد انهزم أكثرهم ثم ثاب أكثرهم فحاربوا حربا كثيرة طالت مدتها حتى صار آخر النهار، ثم إصعدوا في الجبل ورسول الله معهم فتحاجزوا. إلا أن بعض روايات الواقدي يقتضي غير ذلك، نحو روايته: أنه لما صاح الشيطان: إن محمدا قد قتل، كان رسول الله ينادي المسلمين فلا يعرجون عليه فوجه نحو الجبل فانتهى إليهم وهم أوزاع يتذاكرون القتلى، فهذه الرواية تدل على أنه اصعد في الجبل حيث صاح الشيطان، وصياح الشيطان كان حال غشيان خالد بن الوليد المسلمين من وراء الجبل وهم مشتغلون بالنهب، فكيف هذا؟