موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٧
ابن سيابة عن الصادق (عليه السلام) قال: ورمى رسول الله ابن قميئة بقذافة فأصاب كفه حتى ندر السيف من يده، فقال: أذلك الله وأقمأك. ورماه عبد الله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه. وضربه عتبة بن أبي وقاص حتى أدمى فاه (1). قال:
(١) وقال الواقدي: ورمى عتبة بن أبي وقاص رسول الله بأربعة أحجار، فكسر رباعيته اليمنى السفلى.
وكان أبو عامر الراهب الفاسق قد حفر حفرا للمسلمين كالخنادق، وكان رسول الله واقفا لدى بعضها وهو لا يشعر به، وأقبل ابن قميئة (الفهري) وهو يقول: دلوني على محمد!
فوالذي يحلف به لئن رأيته لأقتلنه! وعرفه فقصده وعلاه بالسيف، ورماه عتبة بن أبي وقاص في الحال التي جلله ابن قميئة فيها بالسيف، وكان - عليه الصلاة والسلام - فارسا وعليه درعان، فوقع في الحفرة التي أمامه فجرحت ركبتاه.
فروى بسنده عن أبي بشير المازني قال: رأيت ابن قميئة علا رسول الله بالسيف فرأيته وقع على ركبتيه في حفرة أمامه حتى توارى، فجعلت أصيح، حتى رأيت الناس ثابوا إليه، وانتهض رسول الله وعلي آخذ بيديه وطلحة يحمله من ورائه حتى استوى قائما ١: ٢٤٤.
ثم روى بسنده عن كعب بن مالك: أن ابن أبي بن كعب كان قد أسر في بدر وافتداه أبوه، فأقبل يوم أحد يحمل على رسول الله، فقتله النبي بطعنة بالحربة ١: ٢٥٠ و ٢٥١.
ثم قال: وكان عثمان بن عبد الله المخزومي مأسورا في سرية بطن نخلة، وافتدي ورجع إلى مكة، وأقبل يوم أحد على فرس له أبلق يريد رسول الله وهو متوجه إلى الشعب، ويصيح: لا نجوت ان نجوت! فوقف له رسول الله، وعثر الفرس بعثمان في بعض تلك الحفر التي كان أبو عامر (الراهب الفاسق) قد حفرها، فوقع الفرس لوجهه وخرج فعقره أصحاب رسول الله، ومشى الحارث بن الصمة إلى عثمان فتضاربا بالسيف، حتى ضرب الحارث رجله فبرك، فأجهز عليه. فقال النبي: الحمد لله الذي أحانه (أي أهلكه).
ورأى مصرعه عبيد بن حاجز العامري، فأقبل يعدو حتى ضرب الحارث بن الصمة على عاتقه فجرحه، وأقبل أبو دجانة على عبيد فتناوشا ثم حمل عليه أبو دجانة فاحتضنه ثم جلد به الأرض ثم ذبحه بسيفه ثم انصرف إلى رسول الله ١: ٢٥٢ و ٢٥٣.
وأقبل رجل من بني عامر بن لؤي يجر رمحا له على فرس كميت أغر مدججا بالحديد يصيح: أنا أبو ذات الودع، دلوني على محمد! فضرب طلحة بن عبيد الله عرقوب فرسه فانكسع الفرس ثم تناول برمحه عينه فوقع يخور بدمه كما يخور الثور. وضرب ضرار بن الخطاب الفهري طلحة بن عبيد الله على رأسه ضربتين إقبالا وإدبارا، ونزف منهما الدم حتى غشي عليه. فروى عن أبي بكر قال: جئت إلى النبي يوم أحد فقال لي: عليك بابن عمك!
فأتيت طلحة وقد نزف منه الدم حتى غشي عليه فجعلت أنضح على وجهه الماء حتى أفاق ١: ٢٥٥.
إذن فلم يكن أبو بكر حاضرا لدى رسول الله وإلا لما كان يغفل عن حال ابن عمه طلحة، وإنما هو ابن عمه لأنهما تيميان، وليس ابن عمه اللح.
ثم نقل عن علي (عليه السلام) قال: كنت يومئذ أذبهم في ناحية، وأبو دجانة في ناحية يذب طائفة منهم، وسعد بن أبي وقاص يذب طائفة منهم، وانفردت منهم في فرقة خشناء فيها عكرمة ابن أبي جهل فدخلت وسطها بالسيف فضربت به واشتملوا علي حتى أفضيت إلى آخرهم، ثم كررت فيهم الثانية حتى رجعت من حيث جئت، واستأخر الأجل، ويقضي الله أمرا كان مفعولا وحتى فرج الله ذلك كله ١: ٢٥٦.
قالوا: وكانت أم عمارة نسيبة بنت كعب الخزرجية امرأة غزية بن عمرو، شهدت أحدا هي وزوجها وإبناها، وخرجت من أول النهار معها قربة تسقي منه الجرحى، فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنا، فجرحت اثني عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف.
قالت: وأقبل ابن قميئة وقد ولى الناس عن رسول الله يصيح: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترض له مصعب بن عمير وأناس معه فكنت فيهم، فضربني هذه الضربة، وأشارت لام سعد بنت سعد بن الربيع فرأت على عاتق نسيبة جرحا أجوف له غور، وسمع الرسول يقول: لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان! وهو يراها تقاتل يومئذ أشد القتال، وهي حاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا ١:
٢٧٠. وعنه في شرح النهج للمعتزلي ١٤: ٢٦٦ وقال: من أمانة المحدث أن يذكر الحديث على وجهه ولا يكتم منه شيئا، فما باله كتم اسم هذين الرجلين؟ ليت الراوي لم يكن هذه الكناية وكان يذكرهما باسمهما حتى لا تترامى الظنون إلى أمور مشتبهة!! ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٠: ١٣٣ ثم علق عليه تعليقا دقيقا فراجعه.
ثم روى عنها قالت: انكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا نفير ما يتمون عشرة! وأنا وابناي (عمارة وعبد الله) وزوجي (غزية بن عمرو) بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، وأنا لا ترس معي، ورأى رجلا موليا معه ترس فقال له: يا صاحب الترس، ألق ترسك إلى من يقاتل! فألقى ترسه، فأخذته فجعلت اترس عن رسول الله به، فأقبل رجل على فرس فضربني فترست له فلم يصنع سيفه شيئا وولى، وضربت عرقوب فرسه فوقع على ظهره، وصاح النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - لابني: يا بن أم عمارة، أمك أمك! فعاونني عليه حتى أوردته الموت ١: ٢٧٠.
ثم روى بسنده عن ابنها عبد الله بن زيد أن رجلا طويلا ضربه على عضده اليسرى ومضى عنه، فجرح ولم يرقأ الدم وناداه الرسول: إعصب جرحك، فأقبلت إليه أمه ومعها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح، فربطت جرحه ثم قالت له: انهض يا بني فضارب القوم، والنبي واقف ينظر، فقال لها: ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة!
وعاد الرجل الضارب فقال لها رسول الله: هذا ضارب ابنك! فاعترضت له فضربت ساقه فبرك، فتبسم رسول الله حتى بدت نواجذه! وعلوه بالسلاح حتى مات فقال لها النبي: الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك وأراك ثأرك بعينك ١: ١٧١.
ثم روى بسنده عنه أيضا قال: لما تفرق الناس عن النبي بقيت أمي تذب عنه ودنوت منه لذلك ورميت بين يديه رجلا من المشركين بحجر وهو على فرس فأصبت عين الفرس، فاضطرب الفرس حتى وقع هو وصاحبه، والنبي ينظر ويتبسم، ونظر إلى جرح بعاتق أمي فقال لي: أعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل بيت، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان ومقامك لخير من مقام فلان وفلان، رحمكم الله أهل البيت، فقالت له أمي: ادع الله أن نرافقك في الجنة فقال: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، فقالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا ١: ٢٧٢ و ٢٧٣.
وروى عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يوم أحد يقول: ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأرى نسيبة تقاتل دوني ١: ٢٧١.
إذن فلم يكن عمر حاضرا إذ ذاك، وإلا لكان بامكانه أن يشهد لها بذلك شهادة مباشرة، ولم يكن بحاجة إلى أن يروي ذلك عن النبي رواية وحكاية.
ثم روى أن وهب بن قابوس المزني لما جاءت الخيل من خلف المسلمين بقيادة خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل، واختلطوا، قاتل المزني أشد القتال.. فما زال كذلك وهم محدقون به حتى اشتملت عليه أسيافهم ورماحهم فقتلوه ومثل به أقبح المثلة.. فكان عمر ابن الخطاب يقول: إن أحب ميتة أموت عليها لما مات عليها المزني ١: ٢٧٥ هذا ولم يرو عنه طعنة برمح ولا ضربة بسيف ولا رمي بسهم ولا رشق بنبل ولا رضخ بحجر فكيف كان يتمنى ذلك؟
ثم قال: وكان ممن ولى عمر وعثمان (في النسخة المطبوعة: فلان، وفي أنساب الأشراف ١: ٣٢٦، عن الواقدي: عثمان، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ١٥: ٢٤، عن الواقدي:
عمر وعثمان) ثم عد سبعة سواهما.
ثم قال: ويقال: كان بين عبد الرحمان (بن عوف) وعثمان كلام، فأرسل عبد الرحمان إلى الوليد بن عقبة فدعاه فقال له: اذهب إلى أخيك فبلغه عني ما أقول لك، قل: يقول لك عبد الرحمان: شهدت بدرا ولم تشهد، وثبت يوم أحد ووليت عنه ١: ٢٧٨.
ونظر عمر إلى عثمان فقال: هذا ممن عفا الله عنه.. كان تولى يوم التقى الجمعان ١:
٢٧٩.
وحضر عبد الحميدبن أبي الحديد المعتزلي الشافعي البغدادي (ت ٦٥٦) عند السيد محمد بن معد العلوي الموسوي الفقيه على رأس الشيعة الإمامية في داره بدرب الدواب ببغداد سنة ٦٠٨ وقارئ يقرأ عنه (مغازي الواقدي) فقرأ روايته بسنده عن محمد بن مسلمة: أنه رأى رسول الله يوم أحد وقد انكشف الناس عنه إلى الجبل وهو يدعوهم وهم لا يلوون عليه وهو يقول: إلي يا (فلان)، إلي يا (فلان) أنا رسول الله فما عرج عليه واحد منهما ومضيا. فأشار ابن معد إلى ابن أبي الحديد: أن اسمع: قال: فقلت: وما في هذا؟
قال: هذه كناية عنهما! فقلت: ويجوز أن لا يكون عنهما، لعله عن غيرهما. فقال: ليس في الصحابة من يحتشم ويستحيا من ذكره بالفرار وما شابهه من العيب فيضطر القائل إلى الكناية إلا هما! قلت له: هذا وهم ممنوع! فقال: دعنا من جدلك ومنعك! ثم بان في وجهه التنكر من مخالفتي له وحلف أنه ما عنى الواقدي غيرهما، وأنه لو كان غيرهما لذكره صريحا، شرح نهج البلاغة ١٥: ٢٣ و 24.