موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٠
عائشة عنه قال: لقد رأيتني أرمي بالسهم يومئذ فيرده علي رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه، فبعد ذلك ظننت انه ملك 1: 234 فهلا سأل عنه النبي (صلى الله عليه وآله)؟
وكأن حفيده إبراهيم بن سعد رأى أن عمته عائشة ادعت عن أبيها سعد تأييد الملك له دون رسول الله، فجبر ذلك بآخر رواه عنه أيضا قال: لقد رأيت رجلين عليهما ثياب بيض أحدهما عن يمين رسول الله والآخر عن يساره، يقاتلان أشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد 1: 234.
بينما روى الواقدي أيضا بسنده عن عبيد بن عمير قال: لم تقاتل الملائكة يوم أحد، ولما رجعت قريش من أحد جعلوا يقولون: لم نر الخيل البلق ولا الرجال الذين كنا نراهم في بدر.
وبالغ عكرمة (عن ابن عباس) وعمر بن الحكم إذ قال: لم يمد رسول الله يوم أحد بملك واحد.
وذكر روايتين عن مجاهد (عن ابن عباس) قال في إحداهما: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر، واعتنت الأخرى بدقة أكثر فقالت: حضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل.
وفصلت رواية عن أبي هريرة قال: كان الله وعدهم لو صبروا أن يمدهم، فلما انكشفوا لم تقاتل الملائكة يومئذ 1: 235 - فلا منافاة أن تكون الملائكة قد أمدت عليا (عليه السلام) الصابر المجاهد ببعض ما يساعده من القول، والفعل عمليا بالأخذ بالساعد.
ثم روى بسنده عن عبد الله بن معاذ قال: انكشف المسلمون ذلك اليوم فما لهم لواء قائم ولا فئة ولا جمع، وإن كتائب المشركين لتحوسهم مقبلة ومدبرة في الوادي يلتقون ويفترقون ما يرون أحدا من الناس يردهم. فاتبعت رسول الله فانظر إليه وهو يقصد أصحابه وما معه إلا نفير من المهاجرين والأنصار وانطلقوا به إلى الجبل 1: 238.
ثم روى بسنده عن المقداد بن عمرو قال: هزم المشركون الهزيمة الأولى ثم كروا على المسلمين فأتوا من خلفهم فتفرق الناس. واقتتلوا باختلاط الصفوف، ونادى المشركون بشعارهم: يا للعزى يا لهبل، فأوجعوا والله فينا قتلا ذريعا، ونالوا من رسول الله ما نالوا.
ولا والذي بعثه بالحق ما رأيت رسول الله زال شبرا واحدا، انه لفي وجه العدو وتثوب إليه طائفة من أصحابه مرة وتتفرق عنه مرة، فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه أو يرمي بالحجر حتى تحاجزوا.
وبايعه يومئذ ثمانية على الموت: ثلاثة من المهاجرين وخمسة من الأنصار: علي والزبير وطلحة. وأبو دجانة والحارث بن الصمة، والحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، وسهل بن حنيف. فلم يقتل منهم أحد.
وقالوا: ثبت رسول الله في أربعة عشر رجلا، وسموهم، فأضافوا إلى هؤلاء ستة.
وقالوا: ثبت بين يديه ثلاثون رجلا، ولم يسموهم 1: 240.
وقالوا: كان مالك بن زهير الجشمي وحبان بن العرقة متسترين بصخرة يرميان المسلمين قد أضعفوا المسلمين بالرمي 1: 242 ورمى مالك بسهم يريد رسول الله فاتقاه طلحة فأصاب خنصره فشل إصبعه 1: 254، فبينا هم على ذلك إذ أبصر سعد ابن أبي وقاص مالك بن زهير وقد أطلع رأسه من وراء الصخرة يرمي، فرماه سعد فأصاب عينه حتى خرج من قفاه فنزا ثم سقط فمات 1: 242.
وكانت أم أيمن جاءت تسقي الجرحى فرماها حبان بن العرقة بسهم فأصاب ذيلها فقلبها وانكشف عنها، فاستغرق حبان ضحكا، فشق ذلك على رسول الله، فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما لا نصل له وقال: إرم، فرماه، فوقع السهم في ثغرة نحر حبان فوقع وبدت عورته، فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه 1: 241.
ولكن في 1: 277 يقول: ولما صاح إبليس: إن محمدا قد قتل. تفرق الناس فمنهم من ورد المدينة... وكان ممن ولى فلان وفلان. ولقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم التراب وتقول: هاك المغزل فاغزل به وهلم سيفك ثم توجهت هي ونسوة معها إلى أحد. وعليه فلا يستقيم قوله السابق: كانت تسقي الجرحى. وبينهما تهافت ظاهر، والظاهر أن الثاني هو الراجح الصحيح وفيه ما يكذب الأول. ويبدو لي أن في أخبار مغازي الواقدي تأكيدا خاصا على دور سعد بن أبي وقاص الزهري، ولعلها من أخبار الزهري أو بعض بني زهرة.
قال: وكان أبو طلحة يوم أحد قد نثر كنانته بين يدي النبي وكان راميا صيتا، وكان في كنانته خمسون سهما، فلم يزل يرمي بها سهما سهما، فكان النبي قد يأخذ العود من الأرض فيقول: إرم يا أبا طلحة فيرمي بها سهما جيدا 1: 243.
ورمي يومئذ أبو رهم الغفاري بسهم فوقع في نحره فجاء إلى رسول الله، فبصق عليه فبرأ فكان أبو رهم يسمى المنحور 1: 243.
وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فأخذها رسول الله فردها فأبصرت وعادت كما كانت 1: 242.
وباشر رسول الله الرمي بالنبل حتى انقطع وتره وبقيت في سية القوس قطعة منه تكون شبرا، فأخذ القوس عكاشة بن محصن يوتره له فقال: يا رسول الله لا يبلغ الوتر، فقال:
مده يبلغ. فمده حتى بلغ وطوى منه ليتين أو ثلاثا على سية القوس، ثم أخذ رسول الله قوسه فما زال يرمي القوم، وأبو طلحة يترس عنه، حتى فنيت نبله وتكسرت سية قوسه، وحتى صارت شظايا، فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده 1: 242.
وروى الواقدي 1: 236 خبر الزهري عن كعب بن مالك، ثم روى بسنده عن محمد بن مسلمة قال: أبصرت عيناي رسول الله وقد انكشف الناس إلى الجبل وهم لا يلوون عليه وهو يقول: إلي يا فلان! إلي يا فلان! أنا رسول الله! فما عرج عليه واحد منهما ومضيا! 1:
237.
ثم روى بسنده عن خالد بن الوليد قال: حين انهزموا يوم أحد رأيت عمر بن الخطاب وهو متوجه إلى الشعب وما معه أحد. فعرفته ونكبت عنه لئلا يصمدوا له! 1: 237.