ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا: صدق يا محمد إن فيها الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما (1).
(1) أخرجه البخاري في المحاربين: باب أحكام أهل الذمة وباب الرجم في البلاط وفي الجنائز باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد وفي الأنبياء: باب قول الله تعالى:
(يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) وفي تفسير سورة آل عمران: باب قول الله تعالى: (قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) وفي الاعتصام: باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم وفي التوحيد: باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله تعالى بالعربية وغيرها. قال الخطابي في (معالم السنن): فيه من الفقه: ثبوت أنكحة أهل الكتاب، إذا ثبتت أنكحتهم ثبت طلاقهم وظهارهم وإيلاؤهم.
وفيه دليل على أن نكاح أهل الكتاب يوجب التحصين إذ لا رجم على المحصن. ولو أن مسلما تزوج يهودية أو نصرانية ودخل بها ثم زنا كان عليه الرجم وهو قول الزهري وإليه ذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: الكتابية لا تحصن المسلم وتأول بعضهم معنى الحديث على أنه إنما رجمهما بحكم التوراة ولم يحملهما على أحكام الإسلام وشرائطه.
قلت: وهذا تأويل غير صحيح لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) وإنما جاءه القوم مستفتين طمعا في أن يرخص لهم في ترك الرجم ليعطلوا به حكم التوراة فأشار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كتموه من حكم التوراة ثم حكم عليهم بحكم الإسلام على شرائطه الواجبة فيه وليس يخلو فيما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك عن أن يكون موافقا لحكم الإسلام أو مخالفا فإن كان مخالفا فلا يجوز أن يحكم بالمنسوخ ويترك الناسخ وإن كان موافقا له فهو شريعته والحكم الموافق لشريعته لا يجوز أن يكون مضافا إلى غيره ولا أن يكون فيه تابعا لمن سواه.
وأخرجه مسلم في الحدود: باب (6) رجم اليهود أهل الذمة في الزنى حديث رقم (1699) ومالك في (الموطأ): 2 / 819 والترمذي (1436) وأبو داود (4446) (4449) كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه قال الإمام النووي:
قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى يهودي ويهودية قد زنيا إلى قوله فرجما) في هذا دليل لوجوب حد الزنا على الكافر وأنه يصح نكاحه لأنه لا يجب الرجم إلا على محصن فلو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه ولم يرجم وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع وهو الصحيح وقيل لا يخاطبون بها وقيل أنهم مخاطبون بالنهي دون الأمر وفيه أن الكفار إذا تحاكموا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا وإذا تحاكموا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا وقال مالك لا يصح إحصان الكافر قال وإنما رجمها لأنهما لم يكونا أهل ذمة وهذا تأويل باطل لأنهما كانا من أهل العهد ولأنه رجم المرأة والنساء لا يجوز قتلهن مطلقا.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فقال ما تجدون في التوراة) قال العلماء: هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا معرفة الحكم منهم فإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم ولهذا لم يخف ذلك عليه حين كتموه.
قوله (نسود وجوههما ونحملهما) هكذا هو في أكثر النسخ نحملهما بالحاء واللام وفي بعضها نجملها بالجيم وفي بعضها نحممهما بميمين وكله متقارب فمعنى الأول نحملهما على الحمل ومعنى الثاني نجملهما جميعا على الجمل ومعنى الثالث نسود وجوههما بالحمم بضم الحاء وفتح الميم وهو الفحم وهذا الثالث ضعيف لأنه قال قبله نسود وجوههما فإن قيل كيف رجم اليهوديان بالبينة أم بالإقرار قلنا الظاهر أنه بالإقرار وقد جاء في سنن أبي داود وغيره أنه شهد عليهما أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها فإن صح هذا فإن كان الشهود مسلمين فظاهر وإن كانوا كفارا فلا اعتبار بشهادتهم ويتعين أنهما أقرا بالزنا.
قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد): فتضمنت هذه الحكومة أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان وأن الذمي يحصن بالذمية وإلى هذا ذهب أحمد والشافعي ومن لم يقل بذلك اختلفوا في وجه هذا الحديث فقال مالك في غير (الموطأ): لم يكن اليهود بأهل ذمة والذي في (صحيح البخاري): أنهم أهل ذمة ولا شك أن هذا كان بعد العهد الذي وقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم ولم يكونوا إذا ذاك حربا كيف وقد تحاكموا إليه ورضوا بحكمه؟ وفي بعض طرق الحديث: أنهم قالوا: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف وفي بعض طرقه:
أنهم دعوه إلى بيت مدارسهم فأتاهم وحكم بينهم فهم كانوا أهل عهد وصلح بلا شك.
قال الزهري في حديثه: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إنا أنزلنا التوراة فيه هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا) كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم.