تبارك وتعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان بن ثابت اهج المشركين فإن جبريل معك (1).
وخرج مسلم (2) من حديث عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها أن رسول
(١) (فتح الباري): ٧ / ٥٢٩ كتاب المغازي باب (٣١) مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم حديث رقم (٤١٤٢) (فتح الباري) ١٠ / ٦٦٩ كتاب الأدب باب (٩١) هجاء المشركين حديث رقم (٦١٥٣).
(٢) (مسلم بشرح النووي) ١٦ / ٢٨٢ - ٢٨٤ كتاب فضائل الصحابة باب (34) فضائل حسان ابن ثابت رضي الله تبارك وتعال عنه حديث رقم (157) وتمامه قال حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمدا برا حنيفا * رسول الله شيمته الوفاء فإن أبى ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وفاء ثكلت بنيتي إن لم تروها * تثير النقع من كنفي كداء يبارين الأعنة مصعدات * على أكتافها الأسل الظماء تظل جيادنا متمطرات * تلطمهن بالخمر النساء فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لضراب يوم * يعز الله فيه من يشاء وقال الله قد أرسلت عبدا * يقول الحق ليس به خفاء وقال الله قد يسرت جندا * هم الأنصار عرضتها اللقاء يلاقي كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء فمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء قوله لأفرينهم بلساني فرى الأديم أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد قوله صلى الله عليه وسلم هجاهم حسان فشفى واشتفى أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافخ عن الإسلام والمسلمين قوله " هجوت محمدا برا تقيا وفي كثير من النسخ حنيفا بل تقيا فالبر بفتح الباء الواسع الخير وهو مأخوذ من البر بكسر الباء وهو الاتساع في الإحسان وهو اسم جامع للخير وقيل البر هنا بمعنى المتنزه عن المآثم وأما الحنيف فقيل هو المستقيم والأصح أنه المائل إلى الخير وقيل الحنيف التابع إبراهيم صلى الله عليه وسلم قوله: شيمته الوفاء أي خلقه قوله:
فإن أبي ووالدتي وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم من نفسه وأسلافه وكل ما لحقه نقص بعيبه وأما قوله وقاء فبكسر الواو وبالمد وهو ما وقيت به الشئ. قوله تثير النقع أي ترفع الغبار وتهيجه. قوله من كنفي كداء هو بفتح النون أي جانبي كداء بفتح الكاف وبالمد هي ثنية على باب مكة سبق بيانها في كتاب الحج وعلى هذه الرواية في هذا البيت اقواء مخالف لباقيها وفي بعض النسخ: غايتها كداء وفي بعضها: موعدها كداء. قوله يبارين الأعنة ويروي يسار عن الأعنة قال القاضي: الأول هو رواية الأكثرين ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهي أعنتها بقوة جذبها لها وهي منازعتها لها أيضا قال القاضي وفي رواية ابن الحذاء يبارين الأسنة وهي الرماح قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها إنهن يضاهين قوامها واعتدالها.
قوله مصعدات أي مقبلات إليكم ومتوجهات يقال: اصعد في الأرض إذا ذهب فيها مبتدئا ولا يقال للراجع.
قوله: على أكتافها الظماء أما أكتافها فبالتاء المثناة فوق والأسل بفتح الهمزة والسين المهملة وبعدها لام هذه رواية الجمهور، والأسل الرماح والظماء الرقاق فكأنها لقلة مائها عطاش وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء وفي بعض الروايات الأسد الظماء بالدال أي الرجال المشبهون للأسد العطاش إلى دمائكم.
قوله: تظل جيادنا متمطرات أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا. قوله تلطمهن بالخمر النساء أي تمسحهن النساء بخمرهن بضم الخاء والميم جمع خمار أي يزلن عندهم الغبار وهذا لعزتها وكرامتها عندهم وحكى القاضي أنه روى بالخمر بفتح الميم جمع خمرة وهو صحيح المعنى لكن الأول هو المعروف وهو الأبلغ في إكرامها.
قوله: وقال الله قد يسرت جندا أي هيأتهم وأرصدتهم. قوله: " عرضتها اللقاء هو بضم العين أي مقصودها ومطلوبها. قوله: " ليس له كفاء أي مماثل ولا مقاوم. والله تبارك وتعالى أعلم.