وكان سويد يومئذ شيخا كبيرا فلما مضت الثلاث قالوا: ما نرانا إلا راجعين إلى أهلنا فقال حضير ما أحببتم إن أحببتم فأقيموا وإن أحببتم فانصرفوا فخرج الفتيان بسويد يحملانه حملا من الثمل فمروا لاصقين بالحرة حتى كانا قريبا من بني غصينة وهي وجاه بني سالم إلى مطلع الشمس فجلس سويد وهو يبول وهو ممتلئ سكرا فبصر به إنسان من الخزرج فخرج حتى أتى المجذر بن زياد فقال: هل لك في الغنيمة الباردة؟
قال: ما هي؟ قال: سويد أعزل لا سلاح معه ثمل قال: فخرج المجذر ابن زياد بالسيف صلتنا فلما رآه الفتيان وليا وهما أعزلان لا سلاح معهما - فذكرا العداوة بين الأوس والخزرج فانصرفا سريعين وثبت الشيخ ولا حراك به فوقف عليه مجذر بن زياد فقال: قد أمكن الله منك فقال: ما تريد بي؟
قال: قتلك. قال: فارفع عن الطعام واخفض عن الدماغ وإذا رجعت إلى أمك فقل: إني قتلت سويد بن الصامت وكان قتله هيج وقعة بعاث.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد الصامت ومجذر بن زياد فشهدا بدرا فجعل الحديث يطلب مجذرا ليقتله بأبيه فلا يقدر عليه يومئذ فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم خرج إلى حمراء الأسد فلما رجع من حمراء الأسد أتاه جبريل عليه السلام فأخبره أن الحارث ابن سويد قتل مجذرا غيلة وأمره بقتله فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء في اليوم الذي أخبره جبريل في يوم حار وكان ذلك يوما لا يركب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء إنما كانت الأيام التي يأتي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء يوم السبت ويوم الاثنين فلما دخل وسمعت الأنصار فجاءت تسلم عليه وأنكروا إتيانه في تلك الساعة وفي ذلك اليوم فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث ويتصفح الناس حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورسة (1) فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عويم