السبعون: لم يكفر صلى الله عليه وسلم لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا أن يكون تعليما للمؤمنين كما في عتقه صلى الله عليه وسلم رقبه في تحريم مارية عليها السلام قال الزمخشري (1): في سورة التحريم في قوله تعالى: (قد فرض
(١) (الكشاف): ٤ / ١١٣ القول في سورة التحريم قال الإمام أحمد: ما أطلقه الزمخشري في حق النبي صلى الله عليه وسلم تقول وافتراء والنبي صلى الله عليه وسلم منه براء وذلك أن تحريم ما أحله الله على وجهين اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه فهذا بمثابة اعتقاد حكم التحليل فيما حرمه الله عز وجل وكلاهما محظور لا يصدر من المتسمين بسمة الإيمان وإن صدر سلب المؤمن حكم الإيمان واسمه الثاني الامتناع مما أحله عز وجل وحمل التحريم بمجرده صحيح لقوله وحرمنا عليه المراضع من قبل أي منعنا لا غير وقد يكون مؤكدا باليمين مع اعتقاد حله وهذا مباح صرف حلال محض. ولو كان على المنع ترك المباح والامتناع منه غير مباح استحالت حقيقة الحال. بلا إشكال فإذا علمت بدون ما بين القسمين فعلى القسم الثاني تحمل الآية والتفسير الصحيح يعضده فإن النبي صلى الله عليه وسلم حلف بالله لا أقرب مارية ولما نزلت الآية كفر عن يمينه ويدل عليه (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقال مالك في المدونة: عن زيد بن أسلم إنما كفر النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه أم ولده لأنه حلف أن لا يقر بها ومثله عن الشعبي وهذا المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح وإنما قبل له لم تحرم ما أحل الله لك رفقا به وشفقة عليه وتنويها لقدره ولمنصبه صلى الله عليه وسلم أن يراعي مرضات أزواجه بما يشق عليه جريا على ما ألف من لطف الله تعالى بنبيه ورفعه عن أن يخرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه ومن أجله خلقوا ليظهر الله كمال نبوته بظهور نقصانهم عنه.
والزمخشري قطعا لم يحمل التحريم على هذا الوجه لأنه جعله زلة فيلزمه أن يحمله على المحمل الأول. ومعاذ الله وحاش لله وأن آحاد المؤمنين حاشى أن يعتقد تحريم ما أحل الله له فكيف لا يربأ بمنصب النبي عليه السلام عما يرتفع عنه منصب عامة الأمة وما هذه من الزمخشري إلا جراءة على الله ورسوله وإطلاق القول من غير تحرير وإبراز الرأي الفاسد بلا تخيير نعوذ بالله من ذلك وهو المسؤول أن يجعل وسيلتنا إليه تعظيما لنبينا صلوات الله عليه وأن يجنبنا خطوات الشيطان ويقبلنا من عثرات اللسان. (تفسير القرآن العظيم):
4 / 412 وهذا خلاف لما ذكره الحافظ ابن كثير من حديث زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه فقالت أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها عليه حراما قالت: أي رسول الله كيف يحرم عليك الحلال؟ فحلف لها بالله لا يصيبها فأنزل الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) قال زيد بن أسلم فقوله أنت علي حرام لغو وهكذا روى عبد الرحمن بن زيد عن أبيه وقال ابن جرير أيضا: حدثنا يونس حدثنا ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم قال: قال لها أنت علي حرام والله لا أطؤك وقال القسطلاني في (المواهب اللدنية): 2 / 654 - 655 ومنها أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال الله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) سورة الفتح:
الآية 2) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أخبره الله تعالى بالمغفرة ولم ينقل أنه أخبره الله تعالى بالمغفرة ولم ينقل أنه أخبر أحدا من الأنبياء بمثل ذلك ويدل له قولهم في الموقف: نفسي نفسي.
وقد سبق إلى نحو هذا ابن عطية فقال: وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولم تكن ذنوب البتة ثم قال وعلى تقدير الجواز لا شك ولا ارتياب أنه لم يقع منه صلى الله عليه وسلم وكيف يتخيل خلاف ذلك (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) سورة النجم: الآية 4 - 5).